الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة " قوله تعالى : { خذوا زينتكم }

                                                                                                                                                                                                              وإن كان واردا على طواف العريان ، فإنه عندنا عام في كل مسجد للصلاة ; ومن العلماء من أنكر أن يكون المراد به الطواف ; لأن الطواف لا يكون إلا في مسجد واحد . والذي يعم كل مسجد هو الصلاة ، وهذا قول من خفي عليه مقاصد اللغة والشريعة .

                                                                                                                                                                                                              وبيانه أنهم كانوا يطوفون عراة في المسجد فنزلت : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } ، ليكون العموم شاملا لكل مسجد ، والسبب الذي أثار ذلك ما كانوا يفعلونه في أفضل المساجد ، والصحابة الذين هم أرباب اللغة والشريعة أخبروا بذلك ، ولم يخف عليهم نظام الكلام ، ولا كيف كان وروده ، اجتزءوا بورود الآية ومنحاها ، فلا مطمع لعالم في أن يسبق شأوهم في تفسير أو تقدير . [ ص: 308 ]

                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة : قوله تعالى : { عند كل مسجد }

                                                                                                                                                                                                              قال بعضهم : ظاهر هذا الكلام الورود بأخذ الزينة للفعل الواقع في المسجد ، تعظيما للمسجد ، ولا يدل ذلك على وجوب الستر خارج المسجد ، فزاد الناس ، فقالوا : " هذا يدل على وجوب الفعل للعورة في الصلاة ; فإنه ليس الأمر بالستر في المسجد لبين المسجد ، وإنما هو للفعل الواقع في المسجد .

                                                                                                                                                                                                              والفعل الواقع في المسجد على ثلاثة أقسام : طواف ، ولا يعم كل مسجد واعتكاف ، ولم يشرف لأجله ; فلم يبق إلا الصلاة ; وقد ألزم الستر لها ، فكان ذلك شرطا فيها .

                                                                                                                                                                                                              وقد قام الدليل على سقوط ما زاد على العورة ، وبقي ما قابل العورة على ظاهره ، وقد بينا فساد هذا من قبل ; فإن الأمر بالزينة عند كل مسجد يحتمل أن يكون لأجل ما فيه من اجتماع الناس .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : ويجتمعون في الأسواق .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : ليس ذلك اجتماعا مشروعا ; بل يجوز تفرقهم . وها هنا إن تفرقوا في المساجد كان ذلك قطعا للجماعة ، وخرقا للصفوف ; إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة } . خرجه مسلم وغيره .

                                                                                                                                                                                                              وأما قوله : إن الطواف لا يعم كل مسجد فقد تقدم الجواب عنه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية