الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6448 [ ص: 248 ] 36 – باب: لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى

                                                                                                                                                                                                                              6839 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنه سمعه يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر " . تابعه إسماعيل بن أمية ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم . [ انظر : 2152 - مسلم : 1703 - فتح 12 \ 165 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث الليث عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمعه مرفوعا :" إذا زنت الأمة وتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت فليبعها ولو بحبل من شعر " . تابعه إسماعيل بن أمية ، عن سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              قد أسلفنا الكلام على قوله ( ولم تحصن ) ، قال ابن عبد البر : روى مالك هذا الحديث عن ابن شهاب بهذا الإسناد ، وتابعه يونس بن يزيد ويحيى بن سعيد ، ورواه عقيل عن ( الزهري ) وابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله أن شبلا أو شبل بن خالد المزني أخبره أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت . . الحديث . إلا أن عقيلا وحده قال : مالك بن عبد الله الأوسي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الزهري ( وابن أخي الزهري ) : عن عبد الله بن مالك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 249 ] وكذلك قال يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن شبل بن خالد ، عن عبد الله بن مالك ، فجمع يونس الإسنادين جميعا فيه . وانفرد مالك ومعمر بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الدارقطني في " الموطآت " : إلا أن يحيى بن يحيى لم يذكر في حديثه عن مالك : وزيد بن خالد . وجعله عن أبي هريرة وحده ، وقد تابعه غير واحد منهم عبد الوهاب بن عطاء . وفي كتاب أبي قرة : ذكر ابن جريج : أخبرني أبي ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " السنن " للكجي : حدثنا محمد بن كثير ، ثنا سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن ميسرة أبي جميلة ، عن علي قال : زنت جارية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن أقيم عليها الحد فإذا هي لم يجف عليها الدم فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :" دعها " فتركتها ، ثم أقمت عليها الحد ، فقال :" أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " قال أبو قرة : ذكر ابن جريج : أخبرني عمر بن عطاء ، عن عكرمة مولى عبد الله أنه أخبره في حديثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" إذا أحدثت الوليدة فاجلدوها - ثلاث مرات - ثم إذا زنت الرابعة فبيعوها ولو بحبل من شعر " .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              استدل بهذا الحديث من لم يوجب النفي على النساء أحرارا كن أو إماء ولا على العبيد .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 250 ] روي ذلك عن الحسن وحماد ، وهو قول مالك والأوزاعي ( وعبد ) الله بن الحسن وأحمد وإسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي وأبو ثور : عليهن النفي وعلى الإماء والعبيد ، وهو قول ابن عمر . واحتج الشافعي بعموم قوله - عليه السلام -" من زنى ولم يحصن فعليه حد مائة وتغريب عام " ، فعم ولم يخص ، وبقوله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] ، والتغريب له نصف ، واحتج عليه مخالفه بحديث الباب حيث لم يذكر فيه ، لأنه محال أن يأمر ببيع من لم يقدر مبتاعه على قبضه من بائعه إلا بعد مضي ستة أشهر ، وأيضا فإن العبيد والإماء لا وطن لهم كما سلف .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وفيه إقامة السيد الحد على عبده ، وهي مسألة خلافية ، قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور : نعم في الحدود كلها ، وبه قال جماعة من الصحابة ، وأقاموا الحدود على عبيدهم ، منهم ابن عمر وابن مسعود وأنس بن مالك ، ولا مخالف لهم من الصحابة . وقال الثوري في رواية الأشجعي : يحده المولى في الزنا ، وبه قال الأوزاعي ، وخالف مالك والليث فقال : يحده في الزنا والشرب والقذف إذا شهد عنده الشهود لا بإقرار العبد إلا القطع خاصة ، فإنه لا يقطعه إلا الإمام . وقال الكوفيون : لا يقيمها الإمام خاصة ، فإذا علم السيد أن عبده زنى

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 251 ] يوجعه ضربا ولا يبلغ به الحد ، وهو قول الحسن بن حي ، وحجتهم ما روي عن الحسن وعبد الله بن محيريز وعمر بن عبد العزيز أنهم قالوا : الجمعة والحدود ( والزكاة ) والنفي والحكم إلى السلطان خاصة . واحتج الأول بحديث الباب حيث قال :" فليجلدها " ، وسائر الحدود قياسا على الجلد الذي جعله للسيد . وروي عن ابن عمر وابن مسعود وأنس وغيرهم أنهم كانوا يقيمون الحدود على عبيدهم ، ولا مخالف لهم من الصحابة وحجة مالك ظاهر حديث أبي هريرة ، وإنما استثنى القطع ؛ لأن فيه مثلة بالعبد فيدعي السيد أن عبده سرق ليزيل عنه العتق الذي يلزمه بالمثلة على من يراه ، فمنع منه قطعا للذريعة ، وحد الزنا وغيره لا مثلة فيه فلا تهمة عليه ، وقد قال بعض أصحاب مالك : إن للسيد قطعه إذا قامت عليه بينة . وقال ابن المنذر : يقال للكوفيين : إذا جاز ضربه تعزيرا وذلك غير واجب على الزاني ومنع مما ( أطلقته السنة ) ، فذلك خلاف السنة الثابتة . قال الزهري : مضت السنة أن يحد العبد والأمة أهلوهم في الزنا إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان فليس لأحد أن يفتات عليه ، وقد سلف حديث :" أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " قال ابن أبي ليلى : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 252 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله (" ولا يثرب ") يدل على أن كل من وجب عليه حد وأقيم عليه أنه لا ينبغي أن يثرب عليه ولا يعدد ، وإنما يصلح التثريب واللوم قبل مواقعة الذنب للردع والزجر عنه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (" وليبعها ولو بضفير ") معناه عند الفقهاء الندب والحض على مباعدة الزانية ؛ لما في السكوت على ذلك من خوف الرضا به ، وذلك ذريعة إلى تكثير أولاد الزنا ، وقد قالت أم سلمة : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :" نعم ، إذا كثر الخبث " قال بعض أهل الحديث : الخبث : أولاد الزنا . وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها إذا زنت الرابعة وجلدت ، ولم يقل به أحد من السلف ، وكفى بهذا جهلا ، ولا يشتغل بهذا القول لشذوذه ، وقد نهى الشارع عن إضاعة المال فكيف يأمر ببيع أمة لها قيمة بحبل شعر لا قيمة له ، إنما أراد بذلك النهي عنها والأمر بمجانبتها ، فخرج لفظه على المبالغة في ذلك ، وهذا من فصيح كلام العرب .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              استنبط بعضهم من هذا الحديث جواز الغبن في البيع وأن المالك الصحيح يجوز له أن يبيع ماله العدد الكبير بالتافه اليسير ، وهو متفق عليه إذا عرف قدر ذلك . واختلف إذا لم يعرف قدره هل يجوز ذلك ، وحد بعض البغاددة بالثلث من الثمن على القول برد ذلك ، واستبعد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 253 ] بعضهم هذا الاستنباط ، وإنما المراد أن تشترى هذه الأمة لا يكاد يبذل فيها إلا اليسير ، هذا غالب العادة في شراء المعيب ، ولهذا حض بائعها على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              الضفير هو الحبل ، وعبارة الداودي : بعد ذلك : الذي يضفر على ثلاث فيصير عريضا . وقال أهل اللغة : فحل الشيء من الشعر وغيره عريضا ، والضفيرة : كل خصلة من الشعر على حدتها .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              سكت عن الجلد لعلم السامع .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              في تحرير مذهب مالك في إقامة الحد على عبده وأمته حد الزنا والشرب والقذف لا يقيمه إلا السيد قطعا عند إقامة البينة كما قد أسلفناه ، وفي إقراره روايتان في " المبسوط " : نعم ، وفي " المدونة " : لا . وهي ما أسلفناه . وذكر ابن الجلاب عنه في الزنا روايتين هل يقيمه بعلمه وقطع التدبير فيه وقصاصا ، لا خلاف عندهم في المنع إذا لم تقم بينة ، وكذا إذا قامت على المشهور من مذهبهم ، وحكي عن أصحاب مالك نعم ، وقال بعض متأخريهم : لو قيل : إنه لا يعتق عليه إذا قطعه قصاصا مع عدم البينة وإنكار العبد لكان له وجه ، لأن وجود قطع العبد بالقبض ودعواه عليه شبهة بينة للسيد . واختلف إذا كانت الأمة لها زوج في الزنا هل يقيمه السيد إذا شهد عنده أم لا ؟

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 254 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              التثريب : اللوم والتعزير ومنه لا تثريب عليكم [ يوسف : 92 ] واستنبط منه الداودي أن من عير حرة أو أمة بعد أن حدت يؤدب لها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية