الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      [ ص: 380 ] ثم قال رحمه الله تعالى : ( فصل ) منشأ النزاع بين الطوائف أن الرب - تعالى - هل يتكلم بمشيئته أم كلامه بغير مشيئته ؟ على قولين ، فقالت طائفة : كلامه بغير مشيئته واختياره ، ثم انقسم هؤلاء أربع فرق . قالت فرقة : هو فيض فاض منه بواسطة العقل الفعال على نفس شريفة ، فتكلمت به كما يقول ابن سينا وأتباعه ، وينسبونه إلى أرسطو .

      وفرقة قالت : بل هو معنى قائم بذات الرب - تعالى - هو به متكلم ، وهو قول الكلابية ومن تبعهم ، وانقسم هؤلاء فرقتين : فرقة قالت : هو معان متعددة في أنفسها أمر ونهي ، وخبر واستخبار ، ومعنى جامع لهذه الأربعة . وفرقة قالت : بل هو معنى واحد بالعين لا ينقسم ولا يتبعض ، وفرقة قالت : كلامه هو هذه الحروف ، والأصوات خلقها خارجة عن ذاته ، فصار بها متكلما ، وهذا قول المعتزلة ، وهو في الأصل قول الجهمية ، تلقاه عنهم أهل الاعتزال فنسب إليهم . وفرقة قالت : يتكلم بقدرته ومشيئته كلاما قائما بذاته - سبحانه - كما يقوم به سائر أفعاله لكنه حادث النوع ، وعندهم أنه صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما ، كما قاله من لم نصفهم من المتكلمين أنه صار فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا ، فقول هؤلاء في الفعل المتصل كقول أولئك في الفعل المنفصل ، وهذا قول الكرامية .

      وفرقة قالت : يتكلم بمشيئته ، وكلامه - سبحانه - هو الذي يتكلم به الناس كله ، حقه وباطله ، وصدقه وكذبه كما يقوله طوائف الاتحادية . وقال أهل الحديث والسنة : إنه لم يزل - سبحانه - متكلما إذا شاء ، ويتكلم بمشيئته ، ولم تتحدد له هذه الصفة ، بل كونه متكلما بمشيئته هو من لوازم ذاته المقدسة ، وهو بائن عن خلقه بذاته وصفاته وكلامه ، ليس متحدا بهم ولا حالا فيهم ، واختلفت الفرق هل يسمع كلام الله على الحقيقة ؟ فقالت فرقة : لا يسمع كلامه على الحقيقة ، إنما تسمع حكايته والعبارة عنه ، وهذا قول الكلابية ومن تبعهم ، وقالت بقية الطوائف : بل يسمع كلامه حقيقة . ثم اختلفوا ، فقالت فرقة : يسمعه كل أحد من الله تعالى ، وهذا قول الاتحادية . وقالت فرقة : بل لا يسمع إلا من غيره ، وعندهم أن موسى لم يسمع كلام الله منه ، فهذا قول الجهمية والمعتزلة ، وقال أهل السنة والحديث : يسمع [ ص: 381 ] كلامه - سبحانه - منه تارة بلا واسطة كما سمعه موسى وجبريل وغيرهما ، وكما يكلم عباده يوم القيامة ، ويكلم أهل الجنة ، ويكلم الأنبياء في الموقف ، ويسمع منه المبلغ عنه كما سمع الأنبياء الوحي من جبريل تبليغا عنه ، وكما سمع الصحابة القرآن من الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله ، فسمعوا كلام الله بواسطة المبلغ ، وكذلك نسمع نحن بواسطة التالي ، فإذا قيل المسموع مخلوق أو غير مخلوق ؟ قيل : إن أردت المسموع عن الله - تعالى - فهو كلامه غير مخلوق ، وإن أردت المسموع من المبلغ ، ففيه تفصيل إن سألت عن الصوت الذي روي به كلام الله ، فهو مخلوق ، وإن سألت عن الكلام المؤدى بذلك الصوت ، فهو غير مخلوق .

      والذين قالوا إن الله يتكلم بصوت أربع فرق :

      فرقة قالت : يتكلم بصوت مخلوق منفصل عنه ، وهم المعتزلة ، وفرقة قالت : يتكلم بصوت قديم لم يزل ولا يزال ، وهم السالمية والاقترانية . وفرقة قالت : يتكلم بصوت حادث في ذاته بعد أن لم يكن ، وهم الكرامية . وقال أهل السنة والحديث : لم يزل الله - تعالى - متكلما بصوت إذا شاء .

      والذين قالوا لا يتكلم بصوت فرقتان : أصحاب الفيض ، والقائلون إن الكلام معنى قائم بالنفس . انتهى ما أردنا إيراده من كلامه - رحمه الله تعالى - وقد أودع هذه الأقوال وغيرها في مسألة القرآن وغيرها في نونيته الشافية الكافية ، وأما مذهب أتباع الرسل فقد قدمنا فيه الشفاء الكافي من نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة بما لا يحتاج معه إلى غيره ، وبالله التوفيق .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية