الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( وقوله صلى الله عليه وسلم : لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن التائب من أحدكم براحلته متفق عليه ) .

      التالي السابق


      ش قوله : ( لله أشد فرحا . . ) إلخ ؛ تتمة هذا الحديث ؛ كما في البخاري وغيره : لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض فلاة دوية مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فنزل عنها ، فنام وراحلته عند رأسه ، فاستيقظ وقد ذهبت ، فذهب في طلبها ، فلم يقدر عليها ، حتى أدركه [ ص: 200 ] الموت من العطش ، فقال : والله لأرجعن فلأموتن حيث كان رحلي ، فرجع ، فنام ، فاستيقظ ، فإذا راحلته عند رأسه ، فقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح .

      وفي هذا الحديث إثبات صفة الفرح لله عز وجل ، والكلام فيه كالكلام في غيره من الصفات : أنه صفة حقيقة لله عز وجل ، على ما يليق به ، وهو من صفات الفعل التابعة لمشيئته تعالى وقدرته ، فيحدث له هذا المعنى المعبر عنه بالفرح عندما يحدث عبده التوبة والإنابة إليه ، وهو مستلزم لرضاه عن عبده التائب ، وقبوله توبته .

      وإذا كان الفرح في المخلوق على أنواع ؛ فقد يكون فرح خفة وسرور وطرب ، وقد يكون فرح أشر وبطر ؛ فالله عز وجل منزه عن ذلك كله ، ففرحه لا يشبه فرح أحد من خلقه ، لا في ذاته ، ولا في أسبابه ، ولا في غاياته ، فسببه كمال رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرضوا لها ، وغايته إتمام نعمته على التائبين المنيبين .

      وأما تفسير الفرح بلازمه ، وهو الرضا ، وتفسير الرضا بإرادة الثواب ؛ فكل ذلك نفي وتعطيل لفرحه ورضاه سبحانه ، أوجبه سوء ظن هؤلاء المعطلة بربهم ، حيث توهموا أن هذه المعاني تكون فيه كما هي في المخلوق ، تعالى الله عن تشبيههم وتعطيلهم .




      الخدمات العلمية