الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6483 [ ص: 331 ] 5 – باب: إذا قتل بحجر أو بعصا

                                                                                                                                                                                                                              6877 – حدثنا محمد ، أخبرنا عبد الله بن إدريس ، عن شعبة ، عن هشام بن زيد بن أنس ، عن جده أنس بن مالك قال : خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة قال : فرماها يهودي بحجر . قال : فجيء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبها رمق ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" فلان قتلك " . فرفعت رأسها ، فأعاد عليها قال :" فلان قتلك " . فرفعت رأسها ، فقال لها في الثالثة :" فلان قتلك " . فخفضت رأسها ، فدعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتله بين الحجرين . [ انظر : 2413 - مسلم : 1672 - فتح 12 \ 200 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساقه فيه أيضا ، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، عن جده أنس - رضي الله عنه - . . وترجم عليه بعد : باب : من أقاد بالحجر ، وباب : إذا أقر بالقتل مرة قتل به ، وباب : قتل الرجل بالمرأة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو مسعود الدمشقي : لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث : ( فاعترف ) غيره ، وكذا الإقرار لم يذكره غيره ، وينبغي للإمام والحاكم أن يشد على أهل الجنايات ويتلطف بهم حتى يقروا ليؤخذوا بإقرارهم ، بخلاف إذا جاءونا تائبين مستفتين ، فإنه حينئذ يعرضوا عنهم ما لم يصرحوا ، فكان لهم في التأويل شبهة ، فإذا بينوا ورفعوا الإشكال أقيمت عليهم الحدود ، وإقرار اليهودي في هذا الحديث يدل على أنه لم تقم عليه بينة بالقتل ، ولو قامت عليه ما احتاج - عليه السلام - أن يقرره حتى يقر ، ولو لم [ يقر ] لما أقاد منه ، نبه عليه المهلب ، ومذهب مالك خلاف هذا ، وأنه يقاد منه بعد القسامة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 332 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : دليل أنه بالشكوى والإشارة توجب المطالبة بالدم وغيره ؛ لأنه - عليه السلام - طلب اليهودي بإشارة الجارية .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : دليل على جواز وصية غير البالغ ، وجواز دعواه بالدين وغيره على الناس ، كذا في ابن بطال ولا نسلم له .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              الأوضاح : حلي فضة ، قاله أبو عبيد وغيره . قال الجوهري : الأوضاح حلي من الدراهم الصحاح ، قيل : وهو مأخوذ من الوضح وهو البياض ، وعن صاحب " العين " : الأوضاح جمع وضح ، والوضح : حلي من فضة .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى رض : دق . وقوله في الرواية الأخرى : فرماها يهودي بحجر ، يحتمل أن يكون وضع رأسها على حجر ورماها بآخر من فوق ، فهو رض ، وهو رمي .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              اختلف العلماء في صفة القود :

                                                                                                                                                                                                                              فقال مالك : إنه يقتل بمثل ما قتل به ، فإن قتله بعصى أو بحجر أو بالخنق أو بالتغريق ، قتل بمثله ، وبه قال الشافعي : إن طرحه في

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 333 ] النار عمدا حتى مات طرح في النار حتى يموت ، وذكره الوقار في " مختصره " عن مالك ، وهو قول محمد بن عبد الحكم . وقال ابن الماجشون : يقتل بالعصى وبالخنق وبالحجر ، ولا يقتل بالنار .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وأصحابه : بأي وجه قتل ، ولا يقتل إلا بالسيف ، وهو قول النخعي والشعبي ، وأهل الظاهر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة من حديث الثوري عمن سمع الشعبي : إذا مثل بالرجل ثم قتله ، فإنه يمثل به ثم يقتل ، ونحوه عن إياس بن معاوية وعروة بن الزبير وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز ، واحتجوا بحديث جابر رفعه :" لا قود إلا بحديدة " ، وحديث أبي بكرة رفعه :" لا قود إلا بالسيف " ، أخرجه البزار من حديث الحر بن مالك ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عنه ، وقال : أسنده الحر هكذا ، وكان لا بأس به ، والناس يرسلونه عن الحسن .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 334 ] وقال أبو حاتم : هو منكر .

                                                                                                                                                                                                                              وعنده أيضا من حديث جابر الجعفي ، عن أبي عازب ، عن النعمان بن بشير مرفوعا :" القود بالسيف ولكل خطأ أرش " .

                                                                                                                                                                                                                              وروي نحوه عن علي وأبي هريرة وابن مسعود - رضي الله عنهم - ، وقال ابن عدي : كلها ضعيف . وروي نحوه عن علي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى حماد بن سلمة ، عن يونس ، عن الحسن : لا قود إلا بحديدة ، وروي مثله عن وكيع ، عن سفيان ، عن المغيرة ، عن النخعي ، وعن محمد بن قيس ، عن الشعبي : لا قود إلا بحديدة ، واحتجوا أيضا بقول ابن عباس حين بلغه أن عليا حرق قوما بالنار ، فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" لا يعذب بالنار إلا ربها " .

                                                                                                                                                                                                                              احتج الأولون بالكتاب والسنة ، قال تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [ النحل : 126 ] وقال : فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى [ ص: 335 ] عليكم [ البقرة : 194 ] فجعل تعالى لولي المقتول أن يقتل بمثل ما قتل به وليه ، وتأولوا قوله :" لا قود إلا بحديدة " على تقدير صحته ، وأنى له ذلك ، يعني : إذا قتل بها ، بدليل حديث أنس - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : حديث الباب لا حجة فيه ؛ لأن المرأة كانت حية ، والقود لا يجب في حي ، قيل : إنما قتله الشارع بعد موتها ، لأن في الحديث أنه - عليه السلام - قال لها :" فلان قتلك ؟" على أنها ماتت ساعتئذ ؛ لأنها سيقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهي تجود بنفسها ولم تقدر على النطق ، فلما ماتت استقيد لها من اليهودي بالحجر ، فكان ذلك سنة لا يجوز خلافها .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف قول مالك : إن لم يمت من ضربة واحدة بعصى أو بحجر ، ففي رواية ابن وهب أنه يضرب بالعصى حتى يموت ، ولا يطول عليه ، وبه قال ابن القاسم ، وفي رواية أشهب وابن نافع : أنه يقتل بما قتل به إذا كانت الضربة مجهزة ، فأما أن يضربه ضربات فلا ، وليقتله بالسيف : قال أشهب : إن رأى أنه إن زيد ضربتين مات ، وإلا أجهز عليه بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " المصنف " : أن رجلا خنق صبيا فكتب عمر بن عبد العزيز بقتله ، وكذا قاله إبراهيم ، وقال عامر : إذا خنقه فلم يرفع عنه حتى قتله فهو قود ، وإذا رفع عنه ، ثم مات فدية مغلظة . وقال الحكم : عليه دية مغلظة ، وقال حماد : هو خطأ .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : وقول كثير من أهل العلم في الرجل يخنق الرجل : عليه القود ، وخالف ذلك محمد بن الحسن فقال في الخنق ( وطرح ) في بئر ، أو ألقاه من جبل أو سطح : لم يكن عليه قصاص وكان على

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 336 ] عاقلته الدية ، فإن كان معروفا بذلك قد خنق غير واحد ، فعليه القتل . ولما أقاد الشارع من اليهودي الراض كان هذا في معناه ، فلا معنى لقوله .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : احتج بحديث الباب من قال فيمن يقول عند موته : إن مت ففلان قتلني : إنه يقبل منه ، ويقتل الذي ذكر أنه قتله ، وهو قول مالك والليث ، وخالفهم آخرون ، فقالوا : لا يجوز أن يقتل أحد مثل هذا ، وهو قول بعض متأخري المالكية أيضا ، وإنما قتل الشارع اليهودي لاعترافه ، لا بالدعوى ، فقد بين ذلك ما أجمعوا عليه ، ألا ترى لو أن رجلا ادعى ( على رجل دعوى قتل أو غيره فسئل المدعى عليه عن ذلك ، فأومأ برأسه - أي : نعم - أنه لا يكون بذلك مقرا ، فإذا كان [ إيماء المدعى عليه برأسه لا يكون منه إقرارا كان إيماء ] المدعي برأسه أحرى ألا يوجب له حقا . ( وأجمعوا ) لو أن رجلا ادعى ) في حال موته أن له عند رجل درهما ثم مات - أن ذلك غير مقبول منه ، وأنه في ذلك كهو في دعواه في حال الصحة ، فالنظر على ذلك أن تكون دعواه الدم في تلك الحال ، كدعواه ذلك في حال الصحة ، قال لهم أهل المقالة الأولى : قول المقتول : دمي عند فلان في حال تخوفه الموت ، وعند إخلاصه وتوبته إلى الله عند معاينة فراقه الدنيا أقوى من قولكم في إيجاب القسامة بوجود القتيل فقط في محلة قوم ، وبه أثر ، فيحلف أهل ذلك الموضع أنهم لم يقتلوه ، ويكون

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 337 ] عقله عليهم فألزموا العاقلة ما لم تثبت عليهم بغير بينة ولا إقرار منهم ، وألزموه جناية عمد لم تثبت أيضا ببينة ولا إقرار ، فبقول المقتول : هذا قتلني أقوى من قسامة الولي إذا كان قرب وليه وهو مقتول رجل معه سكين ، لجواز أن يكون غيره قتله .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية