الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل منثورة تتعلق بالباب الأول

                                                                                                                                                                        إحداها : قال : ألزمت ذمتك نسج ثوب صفته كذا على أن تنسجه بنفسك ، لم يصح العقد ، لأنه غرر ، فأشبه السلم في شيء معين . الثانية : يصح استئجار الأرض بما يستأجر به الثوب والعبد من الدراهم والطعام وما تنبت الأرض وغيرها ، إذا عين أو وصف . الثالثة : إذا استأجر دابة ليركبها إلى بلد بعشرة دنانير ، وجب نقد بلد العقد . ولو كانت الإجارة فاسدة ، فالاعتبار في أجرة المثل بموضع إتلاف المنفعة نقدا أو وزنا . الرابعة : تجوز إجارة المصحف والكتب لمطالعتها والقراءة منها . الخامسة : لا يجوز أن يستأجر بركة ليأخذ منها السمك .

                                                                                                                                                                        فلو استأجرها ليحبس فيها الماء حتى يجتمع فيها السمك ، جاز على الصحيح . السادسة : يصح من المستأجر إجارة ما استأجره بعد قبضه ، سواء أجر بمثل ما استأجر ، أم بأقل ، أم بأكثر . وفي إجارته قبل القبض وجهان . قال ابن سريج : يجوز ، والأصح : المنع . فعلى هذا ، في إجارته المؤجر وجهان ، كبيع المبيع للبائع قبل قبضه .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : صحة إجارته للمؤجر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        السابعة : المستعير لا يكري . فلو استعار ليكريه ، لم يصح على الأصح . وقيل : يجوز كما لو استعاره ليرهنه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 257 ] الثامنة : أجر ناظر المسجد حانوته الخراب ، بشرط أن يعمره المستأجر بماله ، ويكون ما أنفقه محسوبا من أجرته ، لم تصح الإجارة ، لأنه عند الإجارة غير منتفع به . التاسعة : لا تجوز إجارة الحمام بشرط أن تكون مدة تعطله بسبب العمارة ونحوها محسوبة على المستأجر ، ولا على المؤجر ، لا بمعنى انحصار الإجارة في المدة في الباقي لأن المدة تصير مجهولة ، ولا بمعنى استيفاء مثلها بعد المدة لأن آخر المدة يصير مجهولا . العاشرة : استأجره ليبيع له شيئا معينا ، جاز ، لأن الظاهر أنه يجد راغبا ، ولشراء شيء معين لا يجوز ، لأن رغبة مالكه في البيع غير مظنونة ، ولشراء شيء موصوف يجوز ، ولبيع شيء معين لا يجوز . الحادية عشرة : لو أراد استئجاره للخروج إلى بلد السلطان ، والتظلم للمستأجر ، وعرض حاله في المظالم ، قال القفال في " الفتاوى " : يستأجر مدة كذا ليخرج إلى موضع كذا ويذكر حاله في المظالم ويسعى في أمره عند من يحتاج إليه ، فتصح الإجارة ، لأن المدة معلومة وإن كان في العمل جهالة ، كما لو استأجره يوما ليخاصم غرماءه ، قال : ولو بدا للمستأجر ، فله أن يستعمله فيما ضرره مثل ذلك .

                                                                                                                                                                        الثانية عشرة : حكى ابن كج عن نص الشافعي - رضي الله عنه - ، أنه لا تصح إجارة الأرض حتى ترى لا حائل دونها من زرع وغيره ، وفي هذا تصريح بأن إجارة الأرض المزروعة لا تصح ، توجيها بأن الزرع يمنع رؤيتها ، وفيها معنى آخر وهو تأخر التسليم والانتفاع عن العقد ، ومشابهته إجارة الزمان المستقبل ، ويقرب منه ما لو أجر دارا مشحونة بطعام وغيره وكان التفريغ يستدعي مدة ، ورأيت للأئمة فيما جمع من فتاوى القفال جوابين فيه . أحدهما : أنه إن أمكن التفريغ في مدة [ ص: 258 ] ليس لمثلها أجرة ، صح العقد ، وإلا ، فلا ، لأنه إجارة مدة مستقبلة . والثاني : أنه إن كان يذهب في التفريغ جميع مدة الإجارة ، لم يصح . وإن كان يبقى منها شيء ، صح ولزم قسطه من الأجرة إذا وجد فيه التسليم . وخرجوا على الجوابين ، ما إذا استأجر دارا ببلد آخر ، فإنه لا يتأتى التسليم إلا بقطع المسافة بين البلدين ، وما إذا [ باع ] جمدا وزنا وكان ينماع بعضه إلى أن يوزن .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح من الجوابين هو الأول ، بل قد تقدم في الشرط الثالث من الركن الرابع من الباب الأول وجه : أنه لا تصح إجارة المشحونة بالقماش وإن أمكن تفريغها في الحال . وتقدم هناك ، أن المذهب صحة إجارة الأرض المستورة بالماء للزراعة ، وليس هو مخالفا للمذكور هنا ، لأن التعليل هناك بأن الماء من مصالحها مفقود هنا .

                                                                                                                                                                        والأصح عندي ، فيما إذا استأجر دارا ببلد آخر ، الصحة ، وفي الجمد المنع ، لإمكان بيعه جزافا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الثالثة عشرة : إذا استأجر للخدمة ، وذكر وقتها من الليل والنهار ، وفصل أنواعها ، صح . وإن أطلق ، فقد حكي عن النص المنع ، والمذهب الجواز ، ويلزم ما جرت العادة به . وفصل القاضي أبو سعد بن أبي يوسف أنواعها فقال : يدخل في هذه الإجارة ، غسل الثوب وخياطته ، والخبز والعجن وإيقاد النار والتنور ، وعلف الدابة وحلبها ، وخدمة الزوجة ، والغرس في الدار ، وحمل الماء إلى الدار للشرب ، وإلى المتوضئ للطهارة .

                                                                                                                                                                        وعن سهل الصعلوكي : أن علف الدابة وحلبها ، وخدمة الزوجة ، لا تدخل إلا بالتنصيص عليها ، وينبغي أن يكون الحكم كذلك في خياطة الثوب وحمل الماء إلى الدار ، ويجوز أن يختلف الحكم فيه بالعادة . وذكر بعض شراح " المفتاح " أنه ليس له إخراجه من البلدة ، إلا أن يشرط عليه مسافة [ ص: 259 ] معلومة من كل جانب ، وأن عليه المكث عنده إلى أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة .

                                                                                                                                                                        قلت : المختار في هذا كله ، الرجوع إلى عادة الخادم في ذلك البلد وذلك الوقت ، ويختلف ذلك باختلاف مراتب المستأجرين ، وباختلاف الأجراء ، وفي الذكورة والأنوثة من الطرفين ، وغير ذلك ، فيدخل ما اقتضته العادة دون غيره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الرابعة عشرة : استأجره على القيام على ضيعة ، قام عليها ليلا ونهارا على المعتاد . الخامسة عشرة : استأجره للخبز ، بين أنه يخبز أقراصا ، أو أرغفة غلاظا أو رقاقا ، وأنه يخبز في تنور أو فرن ، وآلات الخبز على الأجير إن كانت إجارة على الذمة ، وإلا ، فعلى المستأجر ، وليس على الأجير إلا تسليم نفسه ، والقول فيمن عليه الحطب كالحبر في حق الوراق السادسة عشرة : قال بعض شراح " المفتاح " : لو اكترى دابة ليركبها فرسخين ، لم يجز حتى يبين شرقا أو غربا ، فإذا بين فأراد العدول إلى غيرها ، فللمكري منعه ، لأن المعين قد يكون أسهل ، أو له فيه غرض ، وهذا يخالف ما سبق ، فليجعل وجها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 260 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية