الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6492 [ ص: 364 ] 14 - باب: القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات

                                                                                                                                                                                                                              وقال أهل العلم : يقتل الرجل بالمرأة . ويذكر عن عمر : تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح . وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد ، عن أصحابه . وجرحت أخت الربيع إنسانا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" القصاص " .

                                                                                                                                                                                                                              6886 - حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، حدثنا موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لددنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ، فقال :" لا تلدوني " . فقلنا : كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال :" لا يبقى أحد منكم إلا لد ، غير العباس فإنه لم يشهدكم " . [ انظر : 4458 - مسلم : 2213 - فتح 12 \ 214 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              قد فرغنا الكلام منه آنفا .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال : ( ويذكر عن عمر : تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح ) .

                                                                                                                                                                                                                              هذا قول مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأكثر الفقهاء ، وخالف أبو حنيفة فقال : لا قصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس من الجراح ، احتج أصحابه بأن المساواة عندهم معتبرة في النفس دون الأطراف . ألا ترى أن اليد الصحيحة لا تؤخذ بيد شلاء ، والنفس الصحيحة تؤخذ بالمريضة ، ( وهذه ) نكتهم وعليها ( يبوبون ) الكلام ، وكذلك لا يقطعون يد المرأة بيد الرجل ، ولا يد ( الحرة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 365 ] بالحر ) وإن جرى القصاص بينهما في النفس .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : ولما أجمعوا أن نفسه ( بنفسها ) ، وهي أكبر الأشياء ، واختلفوا فيما دونها ، كان ما اختلفوا فيه مردودا إلى ما أجمعوا عليه ؛ لأن الشيء إذا أبيح منه الكثير فالقليل أولى . وحديث الربيع يبين أن القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس ؛ ولأن كل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس فكذلك فيما دونها كالرجلين والمرأتين ، وإنما لم تؤخذ اليد الصحيحة بالشلاء ؛ لأن اليد الشلاء ميتة والنفس الحية لا تؤخذ بالنفس الميتة فسقط اعتراضهم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ولما ذكر البخاري عن عمر - رضي الله عنه - ما ذكر أعقبه بقوله : وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد ، عن أصحابه . قال : وجرحت أخت الربيع إنسانا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" القصاص " .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث عائشة - رضي الله عنها - : لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ، فقال :" لا تلدوني " . فقلنا : كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال :" لا يبقى أحد منكم إلا لد ، غير العباس فإنه لم يشهدكم " وقد سلف .

                                                                                                                                                                                                                              أثر عمر - رضي الله عنه - أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن شريح قال : أتاني عروة البارقي من عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن جراحات الرجال والنساء . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 366 ] والتعليق عن عمر بن عبد العزيز وأبي الزناد أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن وكيع ، ثنا سفيان ، عن عبد الله بن ذكوان أبي الزناد ، عن عمر بن عبد العزيز . قال : وحدثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن جعفر بن برقان عن عمر ، به .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ( وجرحت أخت الربيع إنسانا ) هو بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد المثناة تحت . وهذا أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، ثنا ثابت بن أسلم ، ثنا أنس بن مالك قال : جرحت أخت الربيع . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وادعى ابن التين أنه كذا وقع هنا في غير موضع من البخاري ، أن الربيع هي الجانية ، وكذا في كتاب مسلم ، والذي رأيناه في نسخ البخاري الصحيحة هنا الربيع بحذف أخت .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقد أسلفنا اتفاق علماء الأمصار على قتل الرجل بالمرأة وعكسه إذا كان عمدا إلا من شذ ، وأن مالكا والثوري والأوزاعي والشافعي ، وأكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات كما

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 367 ] هو في النفس . ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة كما سلف .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث اللدود قصاص الرجل من المرأة ؛ لأن أكثر البيت ( كانوا ) نساء ، وفيه أيضا أخذ الجماعة بالواحد ، ووجهه المخالفة فيما نهاهم ، وأنه يؤخذ الناس بالقصاص في أقل من الجراحات ؛ لأنه - عليه السلام - أمر بأن يقتص له ممن لده في مرضه وآلمه . وهذا دون جراحة ولا قصد لأذى ، والقصاص أيضا في الجراح خلافا لداود في القتل ، ولأبي حنيفة في الجراح .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واللدود ما يصب من الأدوية في أحد شقي الفم ، وقد لد الرجل فهو ملدود وألددته أنا ، والتد هو ، قاله الجوهري ، والذي في الأصل لددناه ثلاثي ، وعليه يدل قول الجوهري : لد الرجل ، إذ لو كان رباعيا لكان ألد الرجل فهو ملد .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية