الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل تتعلق بالباب الثالث

                                                                                                                                                                        إحداها : في المنثور للمزني ، أنه لو استأجر لخياطة ثوب ، فخاطه بعضه ، واحترق الثوب ، استحق الأجرة لما عمل . وإن قلنا : ينفسخ العقد ، استحق أجرة المثل ، وإلا فقسط المسمى . ولو استأجره لحمل جرة إلى موضع ، فزلق في الطريق فانكسرت ، لا شيء له من الأجرة .

                                                                                                                                                                        والفرق أن الخياطة تظهر على الثوب ، فوقع العمل مسلما بظهور أثره ، والحمل لا يظهر على الجرة . الثانية : أجر أرضا فغرقت بسيل أو ماء نبع منها ، فإن لم يتوقع الخسارة في مدة الإجارة ، فهو كانهدام الدار . وإن توقع ، فللمستأجر الخيار كما لو غصبت . فإن أجاز ، سقط من الأجرة بقدر ما كان الماء عليها . وإن غرق نصفها وقد مضى نصف المدة ، انفسخ العقد فيه .

                                                                                                                                                                        والمذهب : أنه لا ينفسخ في الباقي ، بل له الخيار فيه في بقية المدة . فإن فسخ وكانت أجرة المدة لا تتفاوت ، فعليه نصف المسمى للمدة الماضية . وإن أجاز ، فعليه ثلاثة أرباع المسمى ، فالنصف للماضي ، والربع للباقي .

                                                                                                                                                                        الثالثة : تعطل الرحى لانقطاع الماء ، والحمام لخلل في الأبنية ، أو لنقص الماء في بئره ونحوه ، كانهدام الدار ، وكذا لو استأجر قناة فانقطع ماؤها . فلو نقص ، [ ص: 264 ] ثبت الخيار ولم ينفسخ . ولو استأجر طاحونتين متقابلتين ، فنقص الماء ، وبقي ماء تدور به إحداهما ولم يفسخ ، قال العبادي : تلزمه أجرة أكثرهما .

                                                                                                                                                                        الرابعة : قال في " التتمة " : لو دفع غزلا إلى نساج واستأجره لنسج ثوب طوله عشرة في عرض معلوم ، فجاء بالثوب وطوله أحد عشر ، لا يستحق شيئا من الأجرة ، وإن جاء به وطوله تسعة ، فإن كان طول السدى عشرة ، استحق من الأجرة بقدره ، لأنه لو أراد أن ينسج عشرة لتمكن منه . وإن كان طوله تسعة ، لم يستحق شيئا ، لمخالفته .

                                                                                                                                                                        ولو كان الغزل المدفوع إليه مسدى ، استأجره كما ذكرنا ، ودفع إليه من اللحمة ما يحتاج إليه ، فجاء [ به ] أطول في العرض المشروط ، لم يستحق للزيادة شيئا . وإن جاء به أقصر في العرض المشروط ، استحق بقدره من الأجرة . وإن وافق في الطول ، وخالف في العرض ، فإن كان أنقص ، نظر ، إن كان ذلك لمجاوزته القدر المشروط من الصفاقة ، لم يستحق شيئا من الأجرة ، لأنه مفرط لمخالفته . وإن راعى المشروط في صفة الثوب رقة وصفاقة ، فله الأجرة ، لأن الخلل - والحالة هذه - من السدى . وإن كان زائدا ، فإن أخذ بالصفاقة ، لم يستحق شيئا ، وإلا ، استحق الأجرة بتمامها ، لأنه زاد خيرا .

                                                                                                                                                                        الخامسة : مهما ثبت الخيار لنقص ، فأجاز ، ثم أراد الفسخ ، فإن كان [ ذلك ] السبب بحيث لا يرجى زواله ، بأن انقطع الماء ، ولم يتوقع عوده ، فليس له الفسخ ، لأنه عيب واحد وقد رضي به . وإن كان بحيث يرجى زواله ، فله الفسخ ما لم يزل ، لأن الضرر يتجدد ، كما لو تركت المطالبة بعد مدة الإيلاء ، أو الفسخ بعد ثبوت الإعسار ، فلها العود إليه . وكذا لو اشترى عبدا فأبق قبل القبض وأجاز ، ثم أراد الفسخ ، فله ذلك ما لم يعد العبد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 265 ] فصل

                                                                                                                                                                        لو أراد المستأجر أن يستبدل عن المنفعة ، فإن كانت الإجارة في الذمة ، لم يجز . وإن كانت إجارة عين ، قال البغوي : هو كما لو أجر العين المستأجرة للمؤجر ، وفيه وجهان . أصحهما : الجواز وإن جرى بعد القبض .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية