الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  237 (باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته)

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في بيان حكم من ألقي على ظهره نجاسة، وهو في الصلاة، وقوله: " لم تفسد عليه صلاته " جواب "إذا"، والقذر بفتح الذال المعجمة ضد النظافة، يقال: قذرت الشيء بالكسر إذا كرهته، والجيفة جثة الميت المريحة، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول يشتمل على حكم وصول النجاسة إلى الماء، وهذا الباب يشتمل على حكم وصولها إلى المصلي، وهو في الصلاة، وهذا المقدار يتلمح به في وجه الترتيب، وإن كان حكمهما مختلفا، فإن في الباب الأول وصول البول إلى الماء الراكد ينجسه، كما ذكرناه فيه مستقصى بما قالت العلماء فيه، وفي هذا الباب وصول النجاسة إلى المصلي لا تفسد صلاته على ما زعم البخاري، فإنه وضع هذا الباب لهذا المعنى؛ ولهذا صرح بقوله: "لم تفسد عليه صلاته"، وهذا يمشي على مذهب من يرى عدم اشتراط إزالة النجاسة لصحة الصلاة، أو على مذهب من يقول: إن من حدث له في صلاة ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته، وقال بعضهم: قوله: "لم تفسد" محله ما إذا لم يعلم بذلك، وتمادى، ويحتمل الصحة مطلقا على قول من يذهب إلى أن اجتناب النجاسة في الصلاة ليس بفرض، وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ، وإليه ميل المصنف، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: من أين علم ميل المصنف إلى القول الثاني؟ وقد وضع هذا الباب وترجم بعدم الفساد مطلقا، ولم يقيد بشيء مما ذكره هذا القائل على أنه قد أكد ما ذهب إليه من الإطلاق بما روي عن عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي رضي الله تعالى عنهم على أن فيه نظرا على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى، وقال هذا القائل أيضا: وعليه يخرج صنيع الصحابي الذي استمر في الصلاة بعد أن سالت منه الدماء برمي من رماه، قلت: هذا الصحابي في حديث جابر رضي الله تعالى عنه رواه أبو داود في سننه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني في غزوة ذات الرقاع، الحديث، وفيه: فنزل النبي عليه الصلاة والسلام منزلا، وقال: من رجل يكلؤنا، فانتدب رجل من المهاجرين، ورجل من الأنصار، وقال: كونا بفم الشعب، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري، وقام الأنصاري يصلي، وأتى رجل، فلما رأى شخصه عرفه أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم له، فوضعه فيه، ونزعه حتى قضى ثلاثة أسهم، ثم ركع، وسجد، الحديث، وتخريج هذا القائل صنيع هذا الصحابي على ما ذكره غير صحيح؛ لأن هذا فعل واحد من الصحابة، ولعله كان ذهل عنه، أو كان غير عالم بحكمه، والتحقيق فيه أن الدم حين خرج أصاب بدنه وثوبه، فكان ينبغي أن يخرج من الصلاة، ولم يخرج، فلما لم يدل مضيه في الصلاة على جواز الصلاة مع النجاسة، كذلك لا يدل مضيه فيها على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية