الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6513 [ ص: 471 ] 27 - باب: من استعان عبدا أو صبيا

                                                                                                                                                                                                                              ويذكر أن ( أم سلمة ) - رضي الله عنها - بعثت إلى معلم الكتاب : أن ابعث لي غلمانا ينفشون صوفا ، ولا تبعث إلي حرا .

                                                                                                                                                                                                                              6911 - حدثني عمرو بن زرارة ، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن عبد العزيز ،

                                                                                                                                                                                                                              عن أنس قال : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن أنسا غلام كيس فليخدمك . قال : فخدمته في الحضر والسفر ، فوالله ما قال لي لشيء صنعته : لم صنعت هذا هكذا ؟ ولا لشيء لم أصنعه : لم لم تصنع هذا هكذا ؟ [ انظر : 2768 - مسلم : 2309 - فتح 12 \ 253 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث أنس - رضي الله عنه - : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، أخذ أبو طلحة بيدي وانطلق بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن أنسا غلام كيس فليخدمك . قال : فخدمته في الحضر والسفر ، فوالله ما قال لي لشيء صنعته : لم صنعت هذا ؟ ولا لشيء لم أصنعه : لم لم تصنع هذا هكذا ؟

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              التعليق أخرجه وكيع ، عن معمر ، عن سفيان ، عن ابن المنكدر ، عنها . ولم يسمع منها . و ( ينفشون ) بضم الفاء ، قاله الجوهري : نفشت الصوف والقطن أنفشه نفشا . ونفشت الإبل ( والغنم ) نفوشا : رعت ليلا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 472 ] وحديث الباب دال على جواز استخدام الأحرار وأولاد الجيران فيما لا كثير مشقة عليه فيه ، وفيما لا يخاف عليهم منه التلف .

                                                                                                                                                                                                                              كاستخدام الشارع أنسا وهو صغير فيما أطاقه وقوي عليه . واشتراط أم سلمة ألا يرسل إليها حرا ؛ فلأن الجمهور قائلون بأن من استعان صبيا حرا لم يبلغ ، أو عبدا بغير إذن مواليه فهلكا في ذلك العمل ، فهو ضامن لقيمة العبد ولدية الصبي الحر على عاقلته .

                                                                                                                                                                                                                              ولا شك أن أم سلمة أم لنا ، فمالنا كمالها ، وعبيدنا كعبيدها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي : يحتمل فعل أم سلمة ؛ لأنها أمهم . وعلى هذا لا يفترق أن تفرق بين حر وعبد ، ولو حمل الصبي على دابة يستقيها أو يمسكها فوطئت الدابة رجلا فقتلته . فقال مالك في " المدونة " : الدية على عاقلة الصبي ولا ترجع على عاقلة الرجل ، وهو قول الثوري .

                                                                                                                                                                                                                              فإن استعان حرا بالغا متطوعا أو بإجارة ، فأصابه شيء ، فلا ضمان عليه عند جميعهم . إن كان ذلك العمل لا غرر فيه ، وإنما يضمن من جنى أو تعدى .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف إذا استعمل عبدا بالغا في شيء فعطب . فقال ابن القاسم : إن استعمل عبدا في بئر يحفرها ولم يؤذن له في الإجارة ، فهو ضامن إن عطب . وكذلك إن بعثه بكتاب إلى سفر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن وهب عن مالك : سواء أذن له سيده في الإجارة أم لا ، لا ضمان عليه ، فيما أصابه إلا أن يستعمله في غرر كثير ؛ لأنه لم يؤذن له

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 473 ] في الغرر .

                                                                                                                                                                                                                              وهذه الرواية أحسن من قول ابن القاسم ( وغيره ) .

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت : ما وجه قوله : ( ما قال لي لشيء ) . . إلى آخره . وظاهره يدل أنه تكرير يدخل فيه القسم الأول .

                                                                                                                                                                                                                              قيل : إنما أراد أنه لم يلمه في القسم الأول على شيء فعله وإن كان ناقصا عن إرادته ، ولا لامه في القسم الآخر على شيء ترك فعله خشية الخطأ فيه ، فتركه أنس من أجل ذلك ، فلم يلمه على تركه إذا كان يتجوزه منه لو فعله ، وإن كان ناقصا عن إرادته .

                                                                                                                                                                                                                              وإلى هذا أشار بقوله : ( هذا هكذا ) ؛ لأنه كما يجوز عنه ما فعله ناقصا عن إرادته ، فله أن يتجوز عنه ما لم يفعله خشية مواقعة الخطأ فيه لو فعله ناقصا ؛ لشرف خلقه وحلمه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في أنس :" غلام كيس " . الكيس خلاف الحمق . والرجل كيس مكيس ، أي : ظريف قال :

                                                                                                                                                                                                                              أما تراني كيسا مكيسا بنيت بعد نافع مكيسا



                                                                                                                                                                                                                              ( وقيل : الكيس : العاقل ، والمعنى متقارب ) .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية