الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6516 [ ص: 490 ] 30 - باب: إثم من قتل ( معاهدا ) بغير جرم

                                                                                                                                                                                                                              6914 - حدثنا قيس بن حفص ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الحسن ، حدثنا مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما " . [ انظر : 3166 - فتح 12 \ 259 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما " . هذا الحديث سلف في أثناء الجزية والموادعة . وتكلمنا على إسناده ، وفيه دليل على أن المسلم إذا قتل الذمي لا يقتل به ؛ لأن الشارع إنما ذكر الوعيد للمسلم وعظم الإثم في الآخرة ، ولم يذكر بينهما قصاصا في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى " لم يرح " معناه على الوعيد وليس على الجبر والإلزام ، وإنما هذا لمن أراد الله تعالى إنفاذ الوعيد عليه . وزعم أبو عبيد أنه يقال : يرح ويرح أي بالضم من أرحت .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : أرحت الرائحة أروحها ورحتها إذا وجدتها .

                                                                                                                                                                                                                              وعند الهروي روي بثلاثة أوجه : يرح يرح يرح يقال : رحت الشيء أراحه وروحته أريحه وأرحته الريحة إذا وجدت ريحه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : روينا يرح بفتح الياء والراء .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري : راح الشيء يراحه ويريحه ، أي : وجدت ريحه ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 491 ] قال : ومنه هذا الحديث ، جعله أبو عبيد من ( رحت ) الشيء أراحه ، وكان أبو عمرو يقول :" لم يرح " من راح الشيء يريحه ، والكسائي يقول :" لم يرح " يجعله من أرحت الشيء فأنا أريحه ، قال : والمعنى واحد ، وقال الأصمعي : لا أدري هو من رحت أو أرحت .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              جاء هنا :" من مسيرة أربعين عاما " . وقد روي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة : سمعت مجاهدا يحدث عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" من ادعى إلى غير أبيه لم يجد رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من ( قدر ) مسيرة سبعين عاما " وجاء في " الموطأ " :" كاسيات عاريات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام " .

                                                                                                                                                                                                                              ووجه الجمع أنه يحتمل أن يكون الأول أقصى أشد العمر في قول أكثر أهل العلم إذا ابن آدم زاد عمله واستحكمت بصيرته في الخشوع فيه ، والتذلل والندم على ما سلف له ، فكأنه وجد ريحها الذي يبعثه على الطاعة ، وتمكن من قلبه الأفعال الموصلة إلى الجنة ، فهذا وجد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 492 ] ريحها على مسيرة أربعين عاما .

                                                                                                                                                                                                                              فأما الثانية : فإنها آخر المعترك وهي أعلى منزلة من الأربعين في الاستبصار يعرض للمرء عندها من الخشية والندم لاقتراب أجله ما لم يعرض له قبل ذلك ، وتزداد طاعته بالتوفيق ، فيجد ريحها على هذا النحو .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الثالثة : فهي فترة ما بين نبي ونبي ، فيكون من جاء في آخر الفترة واهتدى باتباع النبي الذي كان قبلها ولم يضره طولها ، فوجد ريحها على ذلك . ذكره ابن بطال ، وقد أسلفناه أيضا في أثناء الجزية والموادعة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي : يحتمل هذا الحديث ألا يجد ريحها في الموقف ، أي في بعض الأوقات ، ويحتمل أن يكون هذا جزاء إن جوزي ، وأن يكون في رجل بعينه ، ويكون من المعاريض لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية [ النساء : 48 ] .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية