الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [106 ] ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير

                                                                                                                                                                                                                                      "ما ننسخ من آية" أي : ما نبدل من آية بغيرها -كنسخنا آيات التوراة بآيات القرآن- "أو ننسها" أي : نذهبها من القلوب- كما أخبر بقوله : ونسوا حظا مما ذكروا به - وقرئ "أو ننسأها" أي نؤخرها ونتركها بلا نسخ ، كما أبقى كثيرا [ ص: 218 ] من أحكام التوراة في القرآن . وعلى هذه القراءة ، فقد نشر على ترتيب هذا اللف قوله "نأت بخير منها" أي : من المنسوخة المبدلة- كما فعل في الآيات التي شرعت في الملة الحنيفية ما فيه اليسر ، ورفع الحرج والعنت - فكانت خيرا من تلك الآصار والأغلال . وقوله "أو مثلها" أي : مثل تلك الآيات الموحاة قبل ، كما يرى في كثير من الآيات في القرآن الموافقة لما بين يديها مما اقتضت الحكمة بقاءه واستمراره .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الراغب : فإن قيل : إن الذي ترك ولم ينسخ ليس هو مثله بل هو هو ، فكيف قال "بمثلها" قيل : الحكم الذي أنزل في القرآن -وكان ثابتا في الشرع الذي قبلنا- يصح أن يقال هو هو ، إذا اعتبر بنفسه ولم يعتبر بكسوته- التي هي اللفظ . ويصح أن يقال هو مثله إذا لم يعتبر بنفسه فقط بل اعتبر باللفظ . ونحو ذلك أن يقال : ماء البئر هو ماء النهر- إذا اعتبر جنس الماء ، وتارة يقال : مثل ماء النهر- إذا اعتبر قرار الماء . اهـ. على أن إرادة العين بالمثل شائعة ; كما في قولهم : مثلك لا يبخل- .

                                                                                                                                                                                                                                      ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير فهو يقدر على الخير ، وما هو خير منه ، وعلى مثله في الخير . قال الراغب : أي لا تحسبن أن تغييري لحكم حالا فحالا ، وأني لم آت بالثاني في الابتداء- هو العجز ؛ فإن من علم قدرته على كل شيء لا يظن ذلك . وإنما تغير ذلك يرجع إلى مصلحة العباد ، وأن الأليق بهم ، في الوقت المتقدم ، الحكم المتقدم . وفي الوقت المتأخر ، الحكم المتأخر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية