الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويحلق أو يقصر من جميع شعره ، وعنه : يجزئه بعضه كالمسح ، والمرأة تقصر من شعرها قدر الأنملة ، ثم قد حل له كل شيء إلا النساء ، وعنه : إلا الوطء في الفرج ، والحلق والتقصير نسك إن أخره عن أيام منى ، فهل يلزمه دم ؛ على روايتين وعنه : أنه إطلاق من محظور لا شيء في تركه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويحلق ) بعد النحر فالواو : بمعنى ثم ; لأنه - عليه السلام - رمى جمرة العقبة يوم النحر ، ثم عاد إلى منى فدعا بذبح فذبح فدعا بالحلاق فأخذ شقه الأيمن فحلقه فجعل يقسمه بين من يليه ، ثم حلق شق رأسه الأيسر . رواه أبو داود ، فمن ثم تستحب البداءة بأيمنه ، ويستحب أن يبلغ العظم الذي عند منقطع الصدغ من الوجه ، ويستقبل القبلة ، وذكر جماعة : ويدعو ، وفي " المغني " و " الشرح " : يكبر وقت الحلق ; لأنه نسك ، قال أبو حكيم : ولا يشارطه على أجرة ، ثم يصلي ركعتين ( أو يقصر من جميع شعره ) ، نص عليه ، لدعائه - عليه السلام - للمحلقين ، وللمقصرين . وظاهره التخيير بينهما في قول الجمهور ; لأن بعضهم حلق ، وبعضهم قصر ، ولم ينكره ، ولكن الحلق أفضل بلا تردد ; لأنه أبلغ في العبادة ، وأدل على صدق النية ، ويكون التقصير من جميع الشعر لقوله - تعالى - محلقين رءوسكم ومقصرين ولأنه بدل عن الحلق فاقتضى التعميم للأمر بالتأسي قال الشيخ تقي الدين : لا من كل شعرة بعينها قال جماعة : ويكون مقدار الأنملة ; لأنه من السنة ( وعنه : يجزئه بعضه كالمسح ) قاله ابن حامد ; لأنه في معناه قال في " الفروع " : فيجزئ بعضه كالمسح قاله ابن حامد ; لأنه في معناه ، قال في " الفروع " : فيجزئ ما نزل عن رأسه ; لأنه من شعره بخلاف المسح ; لأنه ليس رأسا ذكره في " الفصول " و " الخلاف " قال : ولا يجزئ شعر الأذن على أنه إنما لم يجزئ ; لأنه يجب تقصير جميعه .

                                                                                                                          [ ص: 243 ] فائدة : ظاهر كلام المؤلف والأكثر أن من لبد أو ضفر أو عقص ، فكغيره ، ونقل ابن منصور : من فعل ذلك فليحلق أي : وجب عليه ، قال في الخلاف وغيره : لأنه لا يمكنه التقصير من كله لاجتماعه فإن لم يكن على رأسه شعر ، فظاهر كلامه في رواية المروذي أنه يجب إمرار الموسى على رأسه ، وحمله القاضي على الندب ، وقدمه في " الفروع " وهو قول الأكثر ، ويستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه ; لأنه - عليه السلام - قلم أظفاره بعد حلق رأسه ، وكان ابن عمر يأخذ من شاربه ، وقال ابن عقيل وغيره : ولحيته ، فإن عدم ذلك استحب أن يمر الموسى ، وقاله أبو إسحاق في ختان .

                                                                                                                          ( والمرأة تقصر من شعرها قدر الأنملة ) لما روى ابن عباس مرفوعا ليس على النساء حلق ، إنما على النساء التقصير . رواه أبو داود ، ولأن الحلق في حقهن مثلة ، فعلى هذا تقصر من كل قرن قدر الأنملة ، ونقل أبو داود : تجمع شعرها إلى مقدم رأسها ، ثم تأخذ من أطرافه قدرها ، وفي منسك ابن الزاغوني : يجب أنملة ، والأشهر يجزئ أقل منها ، ولم يتعرض المؤلف لحكم العبد ، وقد صرح في " الوجيز " بأن حكمه كالمرأة ، وأنه يقصر ، ولا يحلق إلا بإذن سيده ; لأنه تنقص قيمته ، ( ثم قد حل له ) بعد الرمي والنحر والحلق أو التقصير ( كل شيء إلا النساء ) لما روت عائشة أن النبي قال : إذا رمى جمرة العقبة وحلق رأسه ، فقد حل له كل شيء إلا النساء . رواه الأثرم ، ولأحمد عن ابن عباس مرفوعا معناه . فعلى هذا لا يباح له ما كان حراما عليه منهن من القبلة ، واللمس لشهوة . قال القاضي وابنه وابن الزاغوني : واقتصر عليه في " المغني " و " الشرح " [ ص: 244 ] وعقد النكاح . وظاهر كلام جماعة حله ، قاله الشيخ تقي الدين ، وذكره عن أحمد .

                                                                                                                          ( وعنه ) : يحل له كل شيء ( إلا الوطء في الفرج ) ; لأن تحريم المرأة ظاهر في وطئها ، ولأنه أغلظ المحرمات ، ويفسد النسك ، بخلاف غيره . ونقل الميموني في المتمتع إذا دخل الحرم ، حل له بدخوله كل شيء إلا النساء والطيب ، قبل أن يحلق أو يقصر . رواه مالك عن عمر ، ولأنه من دواعي الوطء أشبه القبلة ( والحلق والتقصير نسك ) من الحج والعمرة في ظاهر المذهب لقوله - تعالى - لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين [ الفتح : 27 ] فوصفهم وامتن عليهم ، بذلك فدل أنه من العبادة مع قوله ثم ليقضوا تفثهم [ الحج : 29 ] قيل : المراد به الحلق ، وقيل : بقايا أفعال الحج من الرمي ونحوه ، ولأمره - عليه السلام - بقوله فليقصر أو ليحلل ولو لم يكن نسكا لم يتوقف الحل عليه ، ولأن - عليه السلام - دعا للمحلقين وللمقصرين ، وفاضل بينهم فلولا أنه نسك لما استحقوا لأجله الدعاء ، ولما وقع التفاضل فيه ، إذ لا مفاضلة في المباح . فعلى هذا يثاب على فعله ، ويذم بتركه ( إن أخره عن أيام منى فهل يلزمه دم ؛ على روايتين ) إحداهما : لا دم عليه قدمه جماعة ، وجزم به في " الوجيز " لقوله - تعالى - ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة : 196 ] فبين أول وقته ، ولم يبين آخره فمتى أتى به ، أجزأ كالطواف ، والثانية : عليه دم قدمه في " الفروع " ; لأنه ترك النسك في وقته أشبه تأخير الرمي . وظاهره أن له تأخيره إلى آخر أيام النحر ، وصرح به في " المغني " [ ص: 245 ] و " الشرح " ; لأنه إذا جاز تأخير النحر المقدم عليه فتأخيره أولى ، ولكن عبارة " الشرح " أخص ( وعنه : أنه إطلاق من محظور ) لقوله - عليه السلام - لأبي موسى حين قال : أهللت بإهلال كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - طف بالبيت ، وبالصفا والمروة ثم حل . متفق عليه . وفي حديث جابر معناه . رواه مسلم فأمر بالحل من غير حلق ولا تقصير ، ولو كان نسكا ، لما أمر به إلا بعده فهو كاللباس ، والطيب ( لا شيء في تركه ) ويحصل التحلل بدونه ، وهو مخير بين فعله في أيام منى ، وبين تأخيره وتركه ، والأخذ من بعضه دون بعض ; لأنه ليس بواجب كغيره .




                                                                                                                          الخدمات العلمية