الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثالثة عشرة :

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } .

                                                                                                                                                                                                              فيها ست مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : ضرب الأجل للمواعيد سنة ماضية ومعنى قديم أسسه الله في القضايا وحكم به [ ص: 322 ] للأمم ، وعرفهم به مقادير التأني في الأعمال ، وإن أول أجل ضربه الأيام الستة التي مدها لجميع الخليقة فيها ، وقد كان قادرا في أن يجعل ذلك لهم في لحظة واحدة ; لأن قوله لشيء إذا أراده أن يقول له : كن فيكون ; بيد أنه أراد تعليم الخلق التأني وتقسيم الأوقات على أعيان المخلوقات ; ليكون لكل عمل وقت . وقد أشبعنا القول فيه في كتاب المشكلين .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية :

                                                                                                                                                                                                              إذا ضرب الأجل لمعنى يحاول فيه تحصيل المؤجل لأجله ، فجاء الأجل ، ولم يتيسر زيد فيه تبصرة ومعذرة ; وقد بين الله ذلك في قصة موسى صلى الله عليه وسلم فضرب له أجلا ثلاثين ليلة ، فخرج لوعد ربه ، فزاد الله عشرا تتمة أربعين ليلة ، وأبطأ موسى في هذه العشر على قومه ، فما عقلوا جواز التأخر لعذر حتى قالوا : إن موسى ضل أو نسي ، ونكثوا عهده ، وبدلوا بعده ، وعبدوا إلها غير الله .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة :

                                                                                                                                                                                                              الزيادة التي لا تكون على الأجل غير مقدرة ، كما أن الأجل غير مقدر ، وإنما يكون ذلك باجتهاد الحاكم بعد النظر إلى المعاني المتعلقة بالأمر ؟ من وقت وحال وعمل ، فيكون الأجل بحسب ذلك ; فإذا قدر الزيادة باجتهاده ، فيستحب له أن تكون [ الزيادة ] مثل ثلث المدة السالفة ، كما أجل الله لموسى في الزيادة ثلث ما ضربه له من المدة . وإن رأى الحاكم أن يجمع له الأصل في الأجل والزيادة في مدة واحدة جاز ، ولكن لا بد من التربص بعدها لما يطرأ من العذر على البشر .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة :

                                                                                                                                                                                                              التاريخ إنما يكون بالليالي دون الأيام ; لأن الليالي أوائل الشهور ، وبها كانت الصحابة تخبر عن الأيام ، حتى روي عنها أنها كانت تقول { : صمنا خمسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم } . والعجم تخالفنا ذلك فتحسب بالأيام ; لأن معولها على الشمس ، وحساب [ ص: 323 ] الشمس للمنافع ، وحساب القمر للمناسك ، ولهذا قال تعالى : { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة } .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية