الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما اختلافهم في حكمه ، ففي موضعين . أحدهما : في حكم اختيار الزوج ، والثاني : في حكم اختيار النفس ، فأما الأول ، فالذي عليه معظم أصحاب النبي ونساؤه كلهن ، ومعظم الأمة ، أن من اختارت زوجها لم تطلق ، ولا يكون التخيير بمجرده طلاقا ، صح ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة . ( قالت عائشة : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ، فلم نعده طلاقا ، وعن أم سلمة وقريبة أختها ، وعبد الرحمن بن أبي بكر )

وصح عن علي وزيد بن ثابت ، وجماعة من الصحابة ، أنها إن اختارت زوجها فهي طلقة رجعية ، وهو قول الحسن ، ورواية عن أحمد رواها عنه [ ص: 263 ] إسحاق بن منصور ، قال : إن اختارت زوجها ، فواحدة يملك الرجعة ، وإن اختارت نفسها ، فثلاث ، قال أبو بكر : انفرد بهذا إسحاق بن منصور ، والعمل على ما رواه الجماعة .

قال صاحب " المغني " : ووجه هذه الرواية أن التخيير كناية نوى بها الطلاق ، فوقع بمجردها كسائر كناياته ، وهذا هو الذي صرحت به عائشة رضي الله عنها ، والحق معها بإنكاره ورده ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اختاره أزواجه ، لم يقل وقع بكن طلقة ، ولم يراجعهن ، وهي أعلم الأمة بشأن التخيير ، وقد صح عن ( عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لم يكن ذلك طلاقا ) وفي لفظ : ( لم نعده طلاقا ) ، وفي لفظ : ( خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفكان طلاقا ) ؟ .

والذي لحظه من قال : إنها طلقة رجعية ، أن التخيير تمليك ، ولا تملك المرأة نفسها إلا وقد طلقت ، فالتمليك مستلزم لوقوع الطلاق ، وهذا مبني على مقدمتين . إحداهما : أن التخيير تمليك . والثانية أن التمليك يستلزم وقوع الطلاق ، وكلا المقدمتين ممنوعة ، فليس التخيير بتمليك ، ولو كان تمليكا ، لم يستلزم وقوع الطلاق قبل إيقاع من ملكه ، فإن غاية أمره أن تملكه الزوجة ، كما كان الزوج يملكه ، فلا يقع بدون إيقاع من ملكه ، ولو صح ما ذكروه لكان بائنا ؛ لأن الرجعية لا تملك نفسها .

التالي السابق


الخدمات العلمية