الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [71] قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نـزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين

                                                                                                                                                                                                                                      " قال قد وقع عليكم من ربكم رجس أي عذاب، والرجس والرجز بمعنى، حتى قيل إن أحدهما مبدل من الآخر، كالأسد والأزد. وأصل معناه الاضطراب، يقال: رجست السماء: رعدت شديدا وتمخضت، وهم في مرجوسة من أمرهم، أي في اختلاط والتباس، ثم شاع في العذاب لاضطراب من حل به.

                                                                                                                                                                                                                                      وادعى بعضهم أن الرجس بمعنى العذاب مجاز، قال: لأنه حقيقة في الشيء القذر، فاستعير لجزائهم. وظاهر اللغة أنه حقيقة، ووجه التعبير بالماضي عما سيقع، تنزيل المتوقع كالواقع كما في: أتى أمر الله وغضب " أي سخط لإشراككم معه من هو في غاية النقص، في أعلى كمالاته التي هي الإلهية. أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم أي في أشياء ما هي إلا أسماء وليس تحتها مسميات، [ ص: 2774 ] لأنكم تسمونها آلهة، ومعنى الإلهية فيها معدوم ومحال وجوده. وهذا كقوله تعالى: ما يدعون من دونه من شيء -كذا في الكشاف-.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب : جعل الأسماء عبارة عن الأصنام الباطلة، كما يقال لما لا يليق: ما هو إلا مجرد اسم، فالمعنى: أتجادلونني في مسميات لها أسماء لا تليق بها، فتوجه الذم للتسمية الخالية عن المعنى. والضمير حينئذ راجع ل(أسماء) وهي المفعول الأول للتسمية، والثاني آلهة، ولو عكس لزم الاستخدام –انتهى-.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ما نـزل الله بها من سلطان أي حجة ودليل على هذه التسمية، لأن المستحق للمعبودية بالذات ليس إلا من أوجد الكل، وإنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى، إما بإنزال آية أو نصب حجة وكلاهما مستحيل، فتحقق بطلان ما هم عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الجشمي : دلت الآية على فساد التقليد، حين ذمهم بسلوك طريقة آبائهم. وتدل على أن المعارف مكتسبة، وتدل على بطلان كل مذهب لا دليل عليه. ويدل قوله: أتجادلونني " على أن المبطل مذموم في جداله، والواجب عليه النظر ليعرف الحق. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال القاضي : بين تعالى أن منتهى حجتهم وسندهم، أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقيق المسمى، وإسناد الإطلاق إلى من لا يؤبه بقوله، إظهارا لغاية جهالتهم، وفرط غباوتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فانتظروا " أي: نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم فأتنا بما تعدنا " ، لأنه وضح الحق، وأنتم مصرون على العناد. إني معكم من المنتظرين " أي: لما يحل بكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال المهايمي : جاء منتظرهم بحيث لا ينجو منه بمجرى العادة أحد، وجعل من قبيل الريح التي تتقدم الأمطار، لكفرهم برياح الإرسال.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2775 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية