الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : فإذا جاءتهم الحسنة ... إلخ ، بيان لعدم تذكرهم وتماديهم في الغي ; أي : فإذا جاءتهم السعة والخصب ، وغيرهما من الخيرات .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا لنا هذه ; أي : لأجلنا واستحقاقنا لها .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تصبهم سيئة ; أي : جدب وبلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      يطيروا بموسى ومن معه ; أي : يتشاءموا بهم ، ويقولوا : ما أصابتنا إلا بشؤمهم ، وهذا كما ترى شاهد بكمال قساوة قلوبهم ، ونهاية جهلهم وغباوتهم ، فإن الشدائد ترقق القلوب وتلين العرائك ، لا سيما بعد مشاهدة الآيات ، وقد كانوا بحيث لم يؤثر فيهم شيء منها ، بل ازدادوا عتوا وعنادا .

                                                                                                                                                                                                                                      وتعريف الحسنة وذكرها بأداة التحقيق ، للإيذان بكثرة وقوعها ، وتعلق الإرادة بها بالذات ، كما أن تنكير السيئة وإيرادها بحرف الشك ، للإشعار بندرة وقوعها وعدم تعلق الإرادة بها إلا بالعرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : ألا إنما طائرهم عند الله استئناف مسوق من قبله تعالى لرد مقالتهم الباطلة ، وتحقيق الحق في ذلك وتصديره بكلمة التنبيه ، لإبراز كمال العناية بمضمونه ; أي : ليس سبب خيرهم إلا عنده تعالى ، وهو حكمه ومشيئته المتضمنة للحكم والمصالح ، أو ليس سبب شؤمهم - وهو أعمالهم السيئة - إلا عنده تعالى ; أي : مكتوبة لديه ، فإنها التي ساقت إليهم ما يسوؤهم لا ما عداها ، وقرئ : ( إنما طيرهم ) وهو اسم جمع طائر ، وقيل : جمع له .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك ، فيقولون كما يقولون مما حكي عنهم ، وإسناد عدم العلم إلى أكثرهم ، للإشعار بأن بعضهم يعلمون أن ما أصابهم من الخير والشر من جهة الله تعالى ، أو يعلمون أن ما أصابهم من المصائب والبلايا ليس إلا بما كسبت أيديهم ، ولكن لا يعملون بمقتضاه عنادا واستكبارا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية