الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2478 باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب يذكر فيه لا يحل ... إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ليس لفظ " لا يحل " ولا لفظ يدل عليه في أحاديث الباب ، وكيف يترجم بهذه الترجمة ؟ قلت : قيل إنه ترجم بهذه الترجمة لقوة الدليل عنده فيها ، ولكن يعكر عليه بشيئين ; الأول : أنه يرى للوالد الرجوع فيما وهبه لولده ، فكيف يقول هنا " لا يحل لأحد أن يرجع في هبته " والنكرة في سياق النفي تقتضي العموم ؟ وانتهض بعضهم مساعدة له فقال : يمكن أن يرى صحة الرجوع له وإن كان حراما بغير عذر . قلت : سبحان الله ! ما أبعد هذا عن منهج الصواب ; لأنه كيف يرى صحة شيء مع كونه في نفس الأمر حراما ، وبين كون الشيء صحيحا وبين كونه حراما منافاة ، فالصحيح لا يقال له حرام ولا الحرام يقال له صحيح .

                                                                                                                                                                                  والثاني أنه قيل في ترجمته بهذه الترجمة لقوة الدليل عنده ، فإن كانت هذه القوة لدليله بحديث ابن عباس فذا لا يدل على عدم الحل ، لأنا قد ذكرنا في أوائل باب هبة الرجل لامرأته أن جعله - صلى الله عليه وسلم - العائد في هبته كالعائد في قيئه من باب التشبيه من حيث إنه ظاهر القبح مروءة لا شرعا ، فلا يثبت بذلك عدم الحل في الرجوع حتى يقال " لا يحل لأحد أن يرجع في هبته " ، وأيضا كيف تثبت القوة لدليله مع ورود قوله صلى الله عليه وسلم : الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها . رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة ، وأخرجه الدارقطني في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه ، وروي عن ابن عباس أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها . رواه الطبراني ، فإن قال المساعد له هذان الحديثان لا يقاومان حديثه الذي رواه في هذا الباب - قلت : ولئن سلمنا ذلك فما يقول في حديث ابن عمر ، أخرجه الحاكم في المستدرك عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها . وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . ورواه الدارقطني أيضا في سننه ، فإن قال مساهلة الحاكم في التصحيح مشهورة يقال له : حديث ابن عمر صحيح مرفوعا ورواته ثقات ، كذا قال عبد الحق في الأحكام وصححه ابن حزم أيضا ، ففيه الكفاية لمن يهتدي إلى مدارك الأشياء ومسالك الدلائل .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية