الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6548 [ ص: 37 ] 4 - باب: إذا أكره حتى وهب عبدا أو باعه لم يجز

                                                                                                                                                                                                                              وبه قال بعض الناس : فإن نذر المشتري فيه نذرا ، فهو جائز بزعمه ، وكذلك إن دبره .

                                                                                                                                                                                                                              6947 - حدثنا أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر - رضي الله عنه - أن رجلا من الأنصار دبر مملوكا ولم يكن له مال غيره ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " من يشتريه مني ؟ " . فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهم . قال : فسمعت جابرا يقول : عبدا قبطيا مات عام أول . [انظر : 2141 - مسلم : 997 - فتح: 12 \ 320 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث جابر - رضي الله عنه - في المدبر أنه لم يكن له مال غيره ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "من يشتريه مني ؟ " . فاشتراه نعيم بن النحام .

                                                                                                                                                                                                                              كذا وقع ، وصوابه نعيم النحام ، كما نبه عليه الدمياطي - بثمانمائة درهم ، قال : فسمعت جابرا يقول : عبدا قبطيا مات عام أول .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف .

                                                                                                                                                                                                                              والإجماع قائم على أن الإكراه على البيع والهبة لا يجوز ، وما ذكر فيه عن أبي حنيفة وهو المراد بـ (بعض الناس ) أنه إن أعتقه أو دبره الموهوب أو المشتري فهو جائز ، فإنما قاس ذلك على البيع الفاسد ، فإنه إذا مات بتدبير أو عتق مضى ، وكان على المفوت له القيمة يوم فوته ، والفرق بين بيع المكره وبين البيع الفاسد بين ، وذلك أن بائع البيع الفاسد راض بالبيع وطيبة به نفسه ، لكنه لما أوقعه على خلاف السنة فسد ، وكان فيه القيمة ، والمشتري إنما اشتراه بوجه من وجوه الحل والتراضي الذي شرطهما الله في البيع . والمكره على الهبة والبيع لم تطب نفسه على ذلك فلا يجوز إمضاء ما لم تطب به نفسه بتفويته .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 38 ] وقال محمد بن سحنون : أجمع أهل العراق معنا أن بيع المكره باطل ، وهذا يدل أن البيع عندهم غير ناقل للملك ، ثم نقضوا هذا بقولهم : إذا أعتق المشتري أو رد فليس للبائع رد ذلك فيقال لهم : هل (وقع ) الإكراه ناقلا للملك ؟ فإن قالوا : لا ، بطل عتق المشتري وتدبيره كما بطلت هبته ، وإن كان ناقلا للملك فأجيزوا كل شيء صنع المشتري من هبة وغيرها ، وإذا قصد المشتري الشراء بعد علمه بالإكراه صار كالغاصب ، وقد أجمع العلماء في عتق الغاصب أن للسيد أن يزيله ويأخذ عبده .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أهل العراق : له أن يضمن إن شاء الذي ولي الإكراه ، وإن شاء المشتري العتق فجعلوه في معنى الغاصب ، وقالوا : إن بيع المشتري شراء فاسدا ماض ويوجب القيمة ، ففرقوا بينه وبين البيع الفاسد وجعلوه كالغاصب .

                                                                                                                                                                                                                              ووجه استدلال البخاري بحديث جابر في هذه المسألة : أن الذي دبره لما لم يكن له مال غيره كان تدبيره سفها في فعله ، فرد الشارع ذلك من فعله ، وإن كان ملكه للعبد صحيحا كان من اشتراه شراء فاسدا ولم يصح له ملكه إذا دبره أو أعتقه أولى أن يرد فعله من أجل أنه لم يصح له ملكه ، وأما الداودي فقال : ذكر البخاري لبيع المدبر ليس من هذا الباب ؛ لأنه لا إكراه فيه إلا أن يريد أنه - عليه السلام - باعه وكان كالمكره له على بيعه ولم يرد بالإكراه فيما يجوز ؛ لأن [ ص: 39 ] حاكما لو أكره رجلا على بيع ماله ليؤدي دينه كان إكراهه جائزا ، والذي ذكر المالكية في هذه القصة أنه دبر وعليه دين ، ولذلك باعه الشارع .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ( فاشتراه نعيم بن النحام ) كذا وقع هنا ، وفي الأحكام ، في باب : بيع الإمام على الناس . وصوابه نعيم النحام كما نبه عليه الدمياطي .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية