الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1386 ) فصل : ومن تجب عليه الجمعة لا يجوز له السفر بعد دخول وقتها . وبه قال الشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر . وقال أبو حنيفة يجوز .

                                                                                                                                            وسئل الأوزاعي عن مسافر يسمع أذان الجمعة ، وقد أسرج دابته ، فقال : ليمض في سفره ; لأن عمر رضي الله عنه قال : الجمعة لا تحبس عن سفر . ولنا ، ما روى ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ، لا يصحب في سفره ، ولا يعان على حاجته } رواه الدارقطني في الأفراد . وهذا وعيد لا يلحق بالمباح .

                                                                                                                                            ولأن الجمعة قد وجبت عليه ، فلم يجز له الاشتغال بما يمنع منها ، كاللهو ، والتجارة ، وما روي عن عمر ، فقد روي عن ابنه وعائشة ، أخبار تدل على كراهية السفر يوم الجمعة ، فتعارض قوله ، ثم نحمله على السفر قبل الوقت . ( 1387 ) فصل : وإن سافر قبل الوقت ، فذكر أبو الخطاب فيه ثلاث روايات : إحداها ، المنع لحديث ابن عمر . والثانية ، الجواز : وهو قول الحسن ، وابن سيرين ، وأكثر أهل العلم ، لقول عمر ، ولأن الجمعة لم تجب ، فلم يحرم السفر كالليل .

                                                                                                                                            والثالثة ، يباح للجهاد دون غيره . وهذا الذي ذكره القاضي ; لما روى ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة في جيش مؤتة ، فتخلف عبد الله ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما خلفك ؟ قال : الجمعة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لروحة في سبيل الله أو قال : غدوة ، خير من الدنيا وما فيها . قال : فراح منطلقا . } رواه الإمام أحمد ، في " المسند " .

                                                                                                                                            والأولى الجواز مطلقا ; لأن ذمته بريئة من الجمعة فلم يمنعه إمكان وجوبها عليه كما قبل يومها . وذكر أبو الخطاب أن الوقت الذي يمنع السفر ، ويختلف فيما قبله ، زوال الشمس . ولم يفرق القاضي بين ما قبل الزوال وما بعده . ولعله بنى على أن وقتها وقت العيد ، ووجه قول أبي الخطاب على أن تقديمها رخصة على خلاف الأصل ، فلم يتعلق به حكم المنع ، كتقديم الآخرة من [ ص: 109 ] المجموعتين إلى وقت الأولى .

                                                                                                                                            ( 1388 ) فصل : وإن خاف المسافر فوات رفقته ، جاز له ترك الجمعة ; لأن ذلك من الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة ، وسواء كان في بلده فأراد إنشاء السفر ، أو في غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية