الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثاني في المنافع المشتركة وغيرها

                                                                                                                                                                        بقاع الأرض إما مملوكة ، وإما محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع والمساجد والمقابر والرباطات ، وإما منفكة عن الحقوق العامة والخاصة ، وهي الموات . أما المملوكة ، فمنفعتها تتبع الرقبة . وأما الشوارع ، فمنفعتها الأصلية : الطروق . ويجوز الوقوف والجلوس فيها لغرض الاستراحة والمعاملة ونحوهما ، بشرط أن لا يضيق على المارة ، سواء أذن فيه الإمام ، أم لا ، وله أن يظلل على موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة من ثوب وبارية ونحوهما .

                                                                                                                                                                        وفي بناء الدكة ، ما ذكرناه في كتاب الصلح . ولو سبق اثنان إلى موضع ، فهل يقرع بينهما ، أم يقدم الإمام أحدهما ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 295 ] أصحهما : الأول . وفي ثبوت هذا الارتفاق لأهل الذمة وجهان حكاهما ابن كج ، وهل لإقطاع الإمام فيه مدخل ؟ وجهان . أصحهما عند الجمهور : نعم ، وهو المنصوص ، لأن له نظرا فيه ، ولهذا يزعج من أضر جلوسه .

                                                                                                                                                                        وأما تملك شيء من ذلك ، فلا سبيل إليه بحال . وحكي وجه في " الرقم " للعبادي ، وشرح مختصر الجويني لابن طاهر ، أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق ، والمعروف الأول .

                                                                                                                                                                        قلت : وليس للإمام ولا غيره من الولاة أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس والبيع ونحوه في الشوارع عوضا بلا خلاف والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من جلس في موضع من الشارع ، ثم قام عنه ، إن كان جلوسه لاستراحة وشبهها ، بطل حقه . وإن كان لحرفة ومعاملة ، فإن فارقه على أن لا يعود لتركه الحرفة ، أو لقعوده في موضع آخر ، بطل حقه أيضا . وإن فارقه على أن يعود فالمذهب ما ضبطه الإمام والغزالي : أنه إن مضى زمن ينقطع فيه الذين ألفوا معاملته ، بطل . وإن كان دونه ، فلا . وسواء فارق بعذر سفر ومرض ، أو بلا عذر ، فعلى هذا لا يبطل حقه بالرجوع في الليل إلى بيته ، وليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني ، وكذا الأسواق التي تقام في كل أسبوع ، أو في كل شهر مرة ، إذا اتخذ فيها مقعدا ، كان أحق به في النوبة الثانية .

                                                                                                                                                                        وقال الإصطخري : إذا رجع ليلا ، فمن سبقه أحق . وقال طائفة منهم القاضي وابن الصباغ : إن جلس بإقطاع الإمام ، لم يبطل بقيامه . وإن استقل وترك فيه شيئا من متاعه ، بقي حقه ، وإلا ، فلا . وإذا قلنا بالأول ، فأراد غيره الجلوس فيه مدة غيبته القصيرة إلى أن يعود ، فإن كان لغير معاملة ، لم يمنع قطعا ، وإلا ، لم يمنع أيضا على الأصح .

                                                                                                                                                                        [ ص: 296 ] قلت : وإذا وضع الناس الأمتعة وآلات البناء ونحو ذلك في مسالك الأسواق والشوارع ارتفاقا لينقلوها شيئا بعد شيء ، منعوا منه إن أضر بالمارة إضرارا ظاهرا ، وإلا فلا ، ذكره الماوردي في " الأحكام السلطانية " . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يختص الجالس أيضا بما حوله بقدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف معامليه ، وليس لغيره أن يقعد حيث يمنع رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه ، أو يضيق عليه الكيل أو الوزن والأخذ والعطاء .

                                                                                                                                                                        قلت : وليس له منع من قعد لبيع مثل متاعه إذا لم يزاحمه فيما يختص به من المرافق المذكورة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق ، يبطل حقه بمفارقته .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية