قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك أي ما أصابك يا
محمد من خصب ورخاء وصحة وسلامة فبفضل الله عليك وإحسانه إليك ، وما أصابك من جدب وشدة فبذنب أتيته عوقبت عليه . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته . أي ما أصابكم يا معشر الناس من خصب واتساع رزق فمن تفضل الله عليكم ، وما أصابكم من جدب وضيق رزق فمن أنفسكم ؛ أي من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم . قاله
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وغيرهما ؛ كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يا أيها النبي إذا طلقتم النساء . وقد قيل : الخطاب للإنسان والمراد به الجنس ؛ كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1والعصر إن الإنسان لفي خسر أي إن الناس لفي
[ ص: 246 ] خسر ، ألا تراه استثنى منهم فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227إلا الذين آمنوا ولا يستثنى إلا من جملة أو جماعة . وعلى هذا التأويل يكون قوله ما أصابك استئنافا . وقيل : في الكلام حذف تقديره يقولون ؛ وعليه يكون الكلام متصلا ؛ والمعنى فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا حتى يقولوا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله . وقيل : إن ألف الاستفهام مضمرة ؛ والمعنى أفمن نفسك ؟ ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=22وتلك نعمة تمنها علي والمعنى أوتلك نعمة ؟ وكذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي أي أهذا ربي ؟ قال
أبو خراش الهذلي :
رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أراد " أهم " فأضمر ألف الاستفهام وهو كثير وسيأتي . قال
الأخفش " ما " بمعنى الذي . وقيل : هو شرط . قال
النحاس : والصواب قول
الأخفش ؛ لأنه نزل في شيء بعينه من الجدب ، وليس هذا من المعاصي في شيء ولو كان منها لكان وما أصبت من سيئة . وروى
عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن
ابن عباس وأبي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك " فهذه قراءة على التفسير ، وقد أثبتها بعض أهل الزيغ من القرآن ، والحديث بذلك عن
ابن مسعود وأبي منقطع ؛ لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا لم ير
عبد الله ولا
أبيا . وعلى قول من قال : الحسنة الفتح والغنيمة يوم
بدر ، والسيئة ما أصابهم يوم
أحد ؛ أنهم عوقبوا عند خلاف الرماة الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا ظهره ولا يبرحوا من مكانهم ، فرأوا الهزيمة على
قريش والمسلمون يغنمون أموالهم فتركوا مصافهم ، فنظر
خالد بن الوليد - وكان مع الكفار يومئذ - ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انكشف من الرماة فأخذ سرية من الخيل ودار حتى صار خلف المسلمين وحمل عليهم ، ولم يكن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرماة إلا صاحب الراية ، حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف حتى استشهد مكانه ؛ على ما تقدم في " آل عمران " بيانه . فأنزل الله تعالى نظير هذه الآية وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أولما أصابتكم مصيبة يعني يوم
أحد nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165قد أصبتم مثليها يعني يوم
بدر nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم . ولا يجوز أن تكون الحسنة هاهنا الطاعة والسيئة المعصية كما قالت
القدرية ؛ إذ لو كان كذلك لكان ما أصبت كما قدمنا ، إذ هو بمعنى الفعل عندهم والكسب عندنا ، وإنما تكون الحسنة الطاعة والسيئة المعصية في نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها [ ص: 247 ] وأما في هذه الآية فهي كما تقدم شرحنا له من الخصب والجدب والرخاء والشدة على نحو ما جاء في آية " الأعراف " وهي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون . وبالسنين بالجدب سنة بعد سنة ؛ حبس المطر عنهم فنقصت ثمارهم وغلت أسعارهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه أي يتشاءمون بهم ويقولون هذا من أجل اتباعنا لك وطاعتنا إياك ؛ فرد الله عليهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131ألا إنما طائرهم عند الله يعني أن طائر البركة وطائر الشؤم من الخير والشر والنفع والضر من الله تعالى لا صنع فيه لمخلوق ؛ فكذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم أنهم يضيفونه للنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131ألا إنما طائرهم عند الله وكما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=166وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله أي بقضاء الله وقدره وعلمه ، وآيات الكتاب يشهد بعضها لبعض . قال علماؤنا : ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشك في أن كل شيء بقضاء الله وقدره وإرادته ومشيئته ؛ كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35ونبلوكم بالشر والخير فتنة وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال .
مسألة : وقد تجاذب بعض جهال أهل السنة هذه الآية واحتج بها ؛ كما تجاذبها
القدرية واحتجوا بها ، ووجه احتجاجهم بها أن
القدرية يقولون : إن الحسنة ها هنا الطاعة ، والسيئة المعصية ؛ قالوا : وقد نسب المعصية في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وما أصابك من سيئة فمن نفسك إلى الإنسان دون الله تعالى ؛ فهذا وجه تعلقهم بها . ووجه تعلق الآخرين منها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78قل كل من عند الله قالوا : فقد أضاف الحسنة والسيئة إلى نفسه دون خلقه . وهذه الآية إنما يتعلق بها الجهال من الفريقين جميعا ؛ لأنهم بنوا ذلك على أن السيئة هي المعصية ، وليست كذلك لما بيناه . والله أعلم .
والقدرية إن قالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة أي من طاعة فمن الله فليس هذا اعتقادهم ؛ لأن اعتقادهم الذي بنوا عليه مذهبهم أن الحسنة فعل المحسن والسيئة فعل المسيء . وأيضا فلو كان لهم فيها حجة لكان يقول : ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة ؛ لأنه الفاعل للحسنة والسيئة جميعا ، فلا يضاف إليه إلا بفعله لهما لا بفعل
[ ص: 248 ] غيره . نص على هذه المقالة الإمام
أبو الحسن شبيب بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة في كتابه المسمى بحز الغلاصم في إفحام المخاصم .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وأرسلناك للناس رسولا مصدر مؤكد ، ويجوز أن يكون المعنى ذا رسالة
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وكفى بالله شهيدا نصب على البيان والباء زائدة ، أي كفى الله شهيدا على صدق رسالة نبيه وأنه صادق .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ أَيْ مَا أَصَابَكَ يَا
مُحَمَّدُ مِنْ خِصْبٍ وَرَخَاءٍ وَصِحَّةٍ وَسَلَامَةٍ فَبِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْكَ ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ جَدْبٍ وَشِدَّةٍ فَبِذَنْبٍ أَتَيْتَهُ عُوقِبْتَ عَلَيْهِ . وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ . أَيْ مَا أَصَابَكُمْ يَا مَعْشَرَ النَّاسِ مِنْ خِصْبٍ وَاتِّسَاعِ رِزْقٍ فَمِنْ تَفَضُّلِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ جَدْبٍ وَضِيقِ رِزْقٍ فَمِنْ أَنْفُسِكُمْ ؛ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِكُمْ وَقَعَ ذَلِكَ بِكُمْ . قَالَهُ
الْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ . وَقَدْ قِيلَ : الْخِطَابُ لِلْإِنْسَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ أَيْ إِنَّ النَّاسَ لَفِي
[ ص: 246 ] خُسْرٍ ، أَلَا تَرَاهُ اسْتَثْنَى مِنْهُمْ فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَلَا يُسْتَثْنَى إِلَّا مِنْ جُمْلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ مَا أَصَابَكَ اسْتِئْنَافًا . وَقِيلَ : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ يَقُولُونَ ؛ وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا ؛ وَالْمَعْنَى فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا حَتَّى يَقُولُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ . وَقِيلَ : إِنَّ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ مُضْمَرَةٌ ؛ وَالْمَعْنَى أَفَمِنْ نَفْسِكَ ؟ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=22وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ وَالْمَعْنَى أَوَتِلْكَ نِعْمَةٌ ؟ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي أَيْ أَهَذَا رَبِّي ؟ قَالَ
أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ :
رَمَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعَ فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ
أَرَادَ " أَهُمْ " فَأَضْمَرَ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَسَيَأْتِي . قَالَ
الْأَخْفَشُ " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي . وَقِيلَ : هُوَ شَرْطٌ . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَالصَّوَابُ قَوْلُ
الْأَخْفَشِ ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْجَدْبِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْمَعَاصِي فِي شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ مِنْهَا لَكَانَ وَمَا أَصَبْتَ مِنْ سَيِّئَةٍ . وَرَوَى
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ " مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَنَا كَتَبْتُهَا عَلَيْكَ " فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا بَعْضُ أَهْلِ الزَّيْغِ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدًا لَمْ يَرَ
عَبْدَ اللَّهِ وَلَا
أُبَيًّا . وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : الْحَسَنَةُ الْفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ يَوْمُ
بَدْرٍ ، وَالسَّيِّئَةُ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ
أُحُدٍ ؛ أَنَّهُمْ عُوقِبُوا عِنْدَ خِلَافِ الرُّمَاةِ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْمُوا ظَهْرَهُ وَلَا يَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِهِمْ ، فَرَأَوُا الْهَزِيمَةَ عَلَى
قُرَيْشٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَغْنَمُونَ أَمْوَالَهُمْ فَتَرَكُوا مَصَافَّهُمْ ، فَنَظَرَ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - وَكَانَ مَعَ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ - ظَهْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْكَشَفَ مِنَ الرُّمَاةِ فَأَخَذَ سَرِيَّةً مِنَ الْخَيْلِ وَدَارَ حَتَّى صَارَ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَكُنْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرُّمَاةِ إِلَّا صَاحِبُ الرَّايَةِ ، حَفِظَ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ حَتَّى اسْتُشْهِدَ مَكَانَهُ ؛ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " آلِ عِمْرَانَ " بَيَانُهُ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يَعْنِي يَوْمَ
أُحُدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يَعْنِي يَوْمَ
بَدْرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحَسَنَةُ هَاهُنَا الطَّاعَةَ وَالسَّيِّئَةُ الْمَعْصِيَةَ كَمَا قَالَتِ
الْقَدَرِيَّةُ ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مَا أَصَبْتَ كَمَا قَدَّمْنَا ، إِذْ هُوَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ عِنْدَهُمْ وَالْكَسْبِ عِنْدَنَا ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْحَسَنَةُ الطَّاعَةَ وَالسَّيِّئَةُ الْمَعْصِيَةَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا [ ص: 247 ] وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهِيَ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُنَا لَهُ مِنَ الْخِصْبِ وَالْجَدْبِ وَالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ عَلَى نَحْوِ مَا جَاءَ فِي آيَةِ " الْأَعْرَافِ " وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ . وَبِالسِّنِينَ بِالْجَدْبِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ ؛ حُبِسَ الْمَطَرُ عَنْهُمْ فَنَقَصَتْ ثِمَارُهُمْ وَغَلَتْ أَسْعَارُهُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَيْ يَتَشَاءَمُونَ بِهِمْ وَيَقُولُونَ هَذَا مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِنَا لَكَ وَطَاعَتِنَا إِيَّاكَ ؛ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَعْنِي أَنَّ طَائِرَ الْبَرَكَةِ وَطَائِرَ الشُّؤْمِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ فِيهِ لِمَخْلُوقٍ ؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=166وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَعِلْمِهِ ، وَآيَاتُ الْكِتَابِ يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ .
مَسْأَلَةٌ : وَقَدْ تَجَاذَبَ بَعْضُ جُهَّالِ أَهْلِ السُّنَّةِ هَذِهِ الْآيَةَ وَاحْتَجَّ بِهَا ؛ كَمَا تَجَاذَبَهَا
الْقَدَرِيَّةُ وَاحْتَجُّوا بِهَا ، وَوَجْهُ احْتِجَاجِهِمْ بِهَا أَنَّ
الْقَدَرِيَّةَ يَقُولُونَ : إِنَّ الْحَسَنَةَ هَا هُنَا الطَّاعَةُ ، وَالسَّيِّئَةَ الْمَعْصِيَةُ ؛ قَالُوا : وَقَدْ نَسَبَ الْمَعْصِيَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ إِلَى الْإِنْسَانِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ فَهَذَا وَجْهُ تَعَلُّقِهِمْ بِهَا . وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْآخَرِينَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالُوا : فَقَدْ أَضَافَ الْحَسَنَةَ وَالسَّيِّئَةَ إِلَى نَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ . وَهَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجُهَّالُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السَّيِّئَةَ هِيَ الْمَعْصِيَةُ ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْقَدَرِيَّةُ إِنْ قَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ أَيْ مِنْ طَاعَةٍ فَمِنَ اللَّهِ فَلَيْسَ هَذَا اعْتِقَادَهُمْ ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمُ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ الْحَسَنَةَ فِعْلُ الْمُحْسِنِ وَالسَّيِّئَةَ فِعْلُ الْمُسِيءِ . وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ لَكَانَ يَقُولُ : مَا أَصَبْتَ مِنْ حَسَنَةٍ وَمَا أَصَبْتَ مِنْ سَيِّئَةٍ ؛ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ لِلْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ جَمِيعًا ، فَلَا يُضَافُ إِلَيْهِ إِلَّا بِفِعْلِهِ لَهُمَا لَا بِفِعْلِ
[ ص: 248 ] غَيْرِهِ . نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْإِمَامُ
أَبُو الْحَسَنِ شَبِيبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَيْدَرَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِحَزِّ الْغَلَاصِمِ فِي إِفْحَامِ الْمُخَاصِمِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى ذَا رِسَالَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا نَصْبٌ عَلَى الْبَيَانِ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ ، أَيْ كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ نَبِيِّهِ وَأَنَّهُ صَادِقٌ .