الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        50 [ ص: 139 ] ( 5 ) باب ترك الوضوء مما مست النار .

                                                                                                                        49 - مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن [ ص: 140 ] [ ص: 141 ] عبد الله بن عباس ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة ، ثم صلى ولم يتوضأ .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        1741 - أشبع مالك هذا الباب في موطئه وقواه لقوة الخلاف بين السلف بالمدينة وغيرها فيه .

                                                                                                                        1742 - فذكر حديثين مسندين : حديث ابن عباس ، وحديث سويد بن النعمان : أن النبي - عليه السلام - أكل السويق ولم يزد على أن تمضمض وصلى .

                                                                                                                        [ ص: 142 ] 1743 - وذكر عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وعثمان ، وابن عباس ، وعامر بن ربيعة ، وأبي بن كعب ، وأبي طلحة الأنصاريين : أنهم كانوا لا يرون على من أكل شيئا مسته النار وضوءا ، وأنهم كانوا يأكلون ذلك ، ولا يحدثون قبل الصلاة وبعد أكلهم ما مست النار وضوءا .

                                                                                                                        1744 - ودل ذلك من فعله على عمله باختلاف الآثار المسندة في هذا الباب .

                                                                                                                        1745 - فأعلم الناظر في موطئه أن عمل الخلفاء الراشدين بترك الوضوء مما مست النار دليل على أنه منسوخ ، وأن الآثار الواردة بذلك ناسخة للآثار الموجبة له . وقد جاء هذا المعنى عن مالك أيضا .

                                                                                                                        1746 - وروى محمد بن الحسن أنه سمع مالكا يقول : إذا جاء عن النبي - عليه السلام - حديثان مختلفان ، وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر كان في ذلك دلالة على أن الحق فيما عملا به .

                                                                                                                        1747 - وقد ذكرت في التمهيد حديث الأوزاعي : قال كان مكحول يتوضأ مما مست النار ، حتى لقي عطاء بن أبي رباح ، فأخبره عن جابر : أن أبا بكر الصديق أكل ذراعا أو كتفا ثم صلى ، ولم يتوضأ ، فترك مكحول الوضوء ، فقيل له : أتركت الوضوء ؟ فقال : لأن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        1748 - وذكرنا حديث حماد بن زيد قال : سمعت أيوب يقول لعثمان [ ص: 144 ] البتي : إذا سمعت أبدا خلافا عن النبي - عليه السلام - وبلغت فانظر ما كان عليه أبو بكر وعمر فشد به يديك .

                                                                                                                        1749 - قال حماد بن زيد : سمعت خالدا الحذاء يقول : كانوا يرون أن الناسخ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان عليه أبو بكر وعمر .

                                                                                                                        1750 - وذكرنا حديث الليث عن يحيى بن سعيد ، قال : كان أبو بكر وعمر أتبع الناس لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        1751 - حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال حدثنا أحمد بن سعيد ، قال حدثنا محمد بن زبان ، قال حدثنا زكريا بن يحيى كاتب العمري ، قال حدثني المفضل بن فضالة عن عياش بن عباس القتباني أنه كتب إلى يحيى بن سعيد الأنصاري يسأله : هل يتوضأ مما مست النار ؟ فكتب إليه : هذا مما يختلف فيه وقد بلغنا عن أبي بكر وعمر أنهما أكلا مما مسته النار ثم صليا ولم يتوضآ .

                                                                                                                        [ ص: 145 ] 1752 - وقد حدثنا خلف بن القاسم ، قال حدثنا ابن أبي العقب بدمشق ، قال حدثنا أبو زرعة ، قال حدثنا علي بن عياش ، قال حدثنا ابن أحمد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : " كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار " .

                                                                                                                        1753 - وأما الآثار الموجبة للوضوء على من أكل شيئا مسته النار فكثيرة : منها حديث ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سفيان بن المغيرة بن الأخنس : " أنه دخل على أم حبيبة فسقته سويقا ، ثم قام يصلي فقالت : توضأ يا ابن أخي ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :توضئوا مما مست النار " .

                                                                                                                        1754 - رواه معمر ، ويونس ، وابن جريج ، وغيرهم عن ابن شهاب .

                                                                                                                        1755 - ومنها حديث ابن أبي ذئب عن ابن شهاب ، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه : زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " توضئوا مما غيرت النار " .

                                                                                                                        1756 - ورواه أبو عاصم وغيره عن ابن أبي ذئب .

                                                                                                                        1757 - وكانت عائشة تقول : " كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مما مست النار " .

                                                                                                                        [ ص: 146 ] 1758 - وهذا كان مذهب ابن شهاب ، كان الناسخ هو الأمر بالوضوء مما مست النار ، ويقول : لو كان غير ذلك ما خفي على أم المؤمنين عائشة وأم حبيبة .

                                                                                                                        1759 - وجاء عن أبي هريرة في هذا الباب نحو مذهب ابن شهاب ، لأن أبا هريرة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنه أكل كتف شاة فمضمض وغسل يديه ، ثم صلى " .

                                                                                                                        1760 - وروي عنه : " توضئوا مما مست النار " .

                                                                                                                        1761 - وكان أبو هريرة يتوضأ مما مست النار .

                                                                                                                        1762 - وممن روي عنه إيجاب الوضوء مما مست النار : زيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر - على اختلاف عنه - وأنس بن مالك - على اختلاف عنه - وبه قال خارجة بن زيد بن ثابت ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وابنه عبد الملك ، ومحمد بن المنكدر ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب . فهؤلاء كلهم مدنيون .

                                                                                                                        1763 - وقال به من أهل العراق : أبو قلابة ، والحسن البصري ، ويحيى بن يعمر ، وأبو مجلز لاحق بن حميد ، وكل هؤلاء بصريون .

                                                                                                                        1764 - ولا أعلم كوفيا قال به .

                                                                                                                        1765 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد ، قال حدثنا أحمد بن سليمان ببغداد ، قال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال حدثني أبي ، قال حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، قال : كان يتوضأ مما غيرت النار ، فقال له ابن جريج : أنت شهابي يا أبا عروة .

                                                                                                                        [ ص: 147 ] 1766 - وروى عفان ، عن همام ، عن قتادة ، قال : قال لي سليمان بن هشام : إن هذا - يعني الزهري - لا يدعنا نأكل شيئا إلا أمرنا أن نتوضأ ، يعني مما مست النار . فقلت : إني سألت عنه سعيد بن المسيب ، فقال لي : إذا أكلته فهو طيب ليس عليك فيه وضوء ، فإذا خرج فهو خبيث عليك فيه الوضوء .

                                                                                                                        1767 - وقد ذكرنا الآثار عن هؤلاء كلهم في التمهيد .

                                                                                                                        1768 - وذكرنا في حديث ابن وهب عن يونس قال : قال لي ابن شهاب : أطعني وتوضأ مما غيرت النار فقلت : لا أطيعك وأدع سعيد بن المسيب ، ورواه الليث عن يونس مثله .

                                                                                                                        1769 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بدمشق ، قال حدثنا أبو زرعة ، قال حدثنا علي بن عياش ، قال حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، قال : مشيت بين الزهري ومحمد بن المنكدر في الوضوء مما مست النار .

                                                                                                                        1770 - وكان الزهري يراه وابن المنكدر لا يراه ، فاحتج الزهري بأحاديث ، فلم أزل أختلف بينهما حتى رجع ابن المنكدر إلى قول الزهري .

                                                                                                                        1771 - وقال عبد الرزاق : كان معمر يتوضأ مما غيرت النار ، فقال ابن جريج : أنت شهابي يا أبا عروة .

                                                                                                                        1772 - قال عبد الرزاق : وكان ابن شهاب يتوضأ مما مست النار .

                                                                                                                        1773 - وقد قيل لابن شهاب : الوضوء مما مست النار كان في أول الإسلام ، فقال : أعيا الفقهاء أن يعرفوا الناسخ والمنسوخ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كان منسوخا ما خفي على أم المؤمنين .

                                                                                                                        [ ص: 148 ] 1774 - ونحو هذا حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم ، قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف ، قال حدثنا حمزة ، عن رجاء بن أبي سلمة ، عن أبي رزين قال : سمعت الزهري يقول : أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنسوخه .

                                                                                                                        1775 - وروى أبو عاصم ، عن ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " توضئوا مما غيرت النار " .

                                                                                                                        1776 - قال أبو عمر : ذهب بعض من تكلم في تفسير غريب حديث النبي - عليه السلام - إلى أن قوله - عليه السلام - : " توضئوا مما غيرت النار " ، عني به غسل اليدين لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة ، وهي النظافة ، فكأنه قال : طهروا أيديكم من غمر ما مسته النار ، ومن دسم ما مسته النار .

                                                                                                                        1777 - قال أبو عمر : هذا لا معنى له عند أهل العلم ، ولو كان كما ظنه هذا القائل - لكان دسم ما لم تغيره النار وودكه وغمره لا يتنظف منه ولا تغسل منه اليد .

                                                                                                                        1778 - وهذا يدلك على ضعف تأويله ، وسوء نظره ، وقلة علمه بما جاء عن [ ص: 149 ] السلف من التنازع في إيجاب الوضوء مما مست النار على ما ذكرنا عنهم في هذا الكتاب .

                                                                                                                        1779 - وقد أوردنا في التمهيد عند ذكر حديث مالك عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس هذا المذكور هاهنا - زيادات في هذا المعنى من جهة الأثر والنظر لم أر أن لذكرها وجها هنا . فمن أراد الوقوف عليها تأملها هناك .

                                                                                                                        1780 - ولما اختلفت الآثار في هذا الباب استدل الفقهاء بما وصفنا من أفعال الخلفاء الراشدين من أنهم علموا الناسخ ، فعملوا به ، وتركوا المنسوخ .

                                                                                                                        1781 - وليس فيما روي عن عائشة وأم حبيبة حجة على عمل الخلفاء .

                                                                                                                        1782 - قال أبو عمر : وقد روي عن أم سلمة في ذلك خلاف ما روي عنهما مما يوافق عمل الخلفاء .

                                                                                                                        1783 - وقد ذكرنا ذلك عنهما في التمهيد .

                                                                                                                        1784 - ومن جهة النظر فإن الأصل ألا ينتقض وضوء مجتمع عليه إلا بحديث مجتمع عليه ، أو بدليل من كتاب أو سنة لا معارض له .

                                                                                                                        1785 - أخبرنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا بشر بن حماد ، حدثنا مسدد قال ، حدثنا يحيى عن سفيان ، قال حدثني ابن عون ، عن عبد الله بن شداد قال : قال أبو هريرة : " الوضوء مما غيرت النار " فقال مروان : كيف يسأل [ ص: 150 ] [ ص: 150 ] أحد عن هذا وهنا أزواج النبي - عليه السلام - فأرسلني إلى أم سلمة ، فقالت : " جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد توضأ وضوءه للصلاة ، فناولته لحما أو كتفا ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ " .

                                                                                                                        1786 - وممن قال بإسقاط الوضوء مما مست النار : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وعامر بن ربيعة ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء وأبو أمامة .

                                                                                                                        1787 - وعلى ذلك جماعة فقهاء الأمصار : مالك وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والحسن بن حي ، وابن أبي ليلى ، والشافعي وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وداود بن علي ، ومحمد بن جرير الطبري .

                                                                                                                        1788 - إلا أن أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث يقولون : من أكل شيئا من لحم الجزور خاصة فقد وجب عليه الوضوء .

                                                                                                                        1789 - وليس ذلك عليه الوضوء في شيء مسته النار غير لحم الجزور .

                                                                                                                        1790 - وقال أحمد بن حنبل : فيه حديثان صحيحان : حديث البراء ، وحديث جابر بن سمرة ، يعني عن النبي - عليه السلام - .

                                                                                                                        1791 - وقد ذكرت الحديثين في التمهيد .

                                                                                                                        1792 - وممن قال بقول أحمد بن حنبل في إيجاب الوضوء من لحم الجزور : إسحاق ، وأبو ثور ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وأبو خيثمة : زهير بن حرب ، وهو قول محمد بن إسحاق .

                                                                                                                        [ ص: 151 ] 1793 - وأما مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والليث بن سعد ، والأوزاعي فكلهم لا يرون في شيء مسته النار وضوءا : لحم جزور كان أو غيره لأن أكثر الأحاديث فيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل خبزا ولحما ، وأكل كتفا ونحو هذا ، ولم يخص لحم إبل من غير لحم إبل .

                                                                                                                        1794 - وفي حديث سويد بن النعمان إباحة اتخاذ الزاد في السفر .

                                                                                                                        1795 - وفي ذلك رد على الصوفية الذين يقولون : لا ندخر بعد فإن غدا له رزق جديد .

                                                                                                                        1796 - وفي قول الله تعالى للحاج : " وتزودوا " [ البقرة : 197 ] ما يغني ويكفي .

                                                                                                                        1797 - قال أهل التفسير : السويق : الكعك . وفيه ما يلزم من المؤاساة عند نزول الحاجة ، وأن للسلطان أن يأخذ الناس ببيع فضول ما بأيديهم من الطعام بثمنه إذا اشتدت الحاجة إليه .

                                                                                                                        1798 - وما كان منه نزرا اجتهد فيه بلا بدل ونحو هذا ؛ لأن المسلم أخو المسلم ، عليه أن ينصره ويواسيه ولا يجوز له ما استطاع ، ولا يحل له أن يعلم أن جاره طاو إلى جنبه وهو شبعان ، ولا يرمقه بما يمسك مهجته .

                                                                                                                        [ ص: 152 ] 1799 - وقد أوضحنا هذا المعنى في موضعه من هذا الكتاب

                                                                                                                        1800 - وقوله في السويق : " فأمر به فثري " يعني أنه بل بالماء لما كان لحقه من اليبس والقدم .

                                                                                                                        1801 - وفي حديث عمر دليل على أنه كان معه غيره .

                                                                                                                        1802 - وفي ذلك إباحة اتخاذ الطعام والدعاء إليه - للسلطان وغيره .

                                                                                                                        1803 - وأما حديث أنس حيث قال له أبي بن كعب وأبو طلحة : أعراقية ؟ فقد زعم بعضهم أن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري الذي روى عن أنس هذا الحديث مجهول ، وذكر أن حديثه ذلك منكر ؛ لأن أبي بن كعب توفي سنة عشرين في خلافة عمر . ولم تكن العراق يومئذ ممن يضاف إليها مذهب ، لأنه لم يكن يومئذ إلا أصحاب محمد الذين افتتحوها ومن صحبهم في ذلك ، وهو مذهب بالمدينة عند أهل العلم أشهر وأكثر منه بالعراق .

                                                                                                                        1804 - وهذا كله تحامل من قائله ، لأن عبد الرحمن بن يزيد هذا هو عندهم عبد الرحمن بن يزيد بن عقبة بن كريم الأنصاري يعرف بالصدق [ ص: 153 ] وإن لم يكن مشهورا بحمل العلم فإنه قد روى عنه رجال كبار : موسى بن عقبة وبكير بن الأشج وعمرو بن يحيى وأسامة بن زيد الليث . وقد روى عنه ثلاثة ، وقد قيل : رجلان فليس بمجهول .

                                                                                                                        1805 - وأبي بن كعب قد اختلف في وفاته ، فقيل : توفي في خلافة عمر وقيل توفي في خلافة عثمان ، على حسب ما ذكرنا من ذلك في بابه من كتابنا في الصحابة .

                                                                                                                        1806 - ومعنى قوله : أعراقية ؟ أي بالعراق استفدت هذا العلم ؟ .

                                                                                                                        1807 - ولو صح هذا دل على أن ذلك مذهب غير معروف بالمدينة ، إلا أن هذا المذهب بالمدينة عن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة وغيرهم معروف محفوظ في المصنفات ، وكذلك أبو طلحة معروف عنه ذلك أيضا .

                                                                                                                        1808 - وقد ذكرنا في التمهيد حديث همام عن مطرف الوراق عن الحسن عن أنس بن مالك عن أبي طلحة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " توضئوا مما غيرت النار " .

                                                                                                                        1809 - وذكرنا قول همام قيل لمطرف وأنا عنده : عمن أخذ الحسن الوضوء مما مست النار ؟ فقال : أخذه الحسن عن أنس ، وأخذه أنس عن أبي طلحة ، وأخذه أبو طلحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        1810 - وهذا الحديث يعارض حديث عبد الرحمن بن زيد هذا ، وليس في هذا الباب شيء يعتمد عليه أصح مما قدمنا ذكره من عمل الخلفاء الراشدين وجمهور علماء المسلمين بترك الوضوء مما مست النار ، وأن ذلك عندهم على العمل بالناسخ وترك المنسوخ ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية