الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "منكم من يريد الدنيا ، الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب من أحد لخيل المشركين ، ولحقوا بعسكر المسلمين طلب النهب إذ رأوا هزيمة المشركين " ومنكم من يريد الآخرة " ، يعني بذلك : الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم التي [ ص: 294 ] أقعدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا أمره ، محافظة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك من فعلهم والدار الآخرة . كما : -

8030 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا ، والذين بقوا وقالوا : "لا نخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، أرادوا الآخرة .

8031 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس مثله .

8032 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد طائفة من المسلمين ، فقال : "كونوا مسلحة للناس " ، بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها ، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم . فلما لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين ، هزمهم نبي الله صلى الله عليه وسلم! فلما رأى المسلحة أن الله عز وجل هزم المشركين ، انطلق بعضهم وهم يتنادون : "الغنيمة! الغنيمة! لا تفتكم "! وثبت بعضهم مكانهم ، وقالوا : لا نريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم! . ففي ذلك نزل : "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فكان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يوم أحد . [ ص: 295 ]

8033 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : لما هزم الله المشركين يوم أحد ، قال الرماة : "أدركوا الناس ونبي الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقوكم إلى الغنائم ، فتكون لهم دونكم "! وقال بعضهم : "لا نريم حتى يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم " . فنزلت : "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، قال : ابن جريج ، قال ابن مسعود : ما علمنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ .

8034 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن المبارك ، عن الحسن : " منكم من يريد الدنيا " ، هؤلاء الذين يجترون الغنائم " ومنكم من يريد الآخرة " ، الذين يتبعونهم يقتلونهم .

8035 - حدثنا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي عن عبد خير قال : قال عبد الله : ما كنت أرى أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " .

8036 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن عبد خير قال : قال ابن مسعود : ما كنت أظن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أحدا يريد الدنيا ، حتى قال الله ما قال .

8037 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع [ ص: 296 ] قال : قال عبد الله بن مسعود لما رآهم وقعوا في الغنائم : ما كنت أحسب أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان اليوم .

8038 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ .

8039 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " منكم من يريد الدنيا " ، أي : الذين أرادوا النهب رغبة في الدنيا وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة " ومنكم من يريد الآخرة " ، أي : الذي جاهدوا في الله لم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا رغبة فيها ، رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الآخرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية