الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1069 - مسألة : وكل ما ذكرنا أنه لا يجوز التذكية به فلا يحل ما قتل به من الصيد ، وكل من قلنا : إنه لا يحل أكل ما ذبح أو نحر لم يحل أكل ما قتل من الصيد كغير الكتابي والصبي ، ومن تصيد بآلة مأخوذة بغير حق . وكل من قلنا : إنه يحل أكل ما ذبح أو نحر أكل ما قتل من الصيد كالكتابي ، والمرأة ، والعبد ، وغيرهم ، ولا يحل أكل ما لم يسم الله تعالى عليه مما قتل من الصيد بعمد ، أو بنسيان لأن الصيد ذكاة ، وقد ذكرنا برهان ذلك - : في كلامنا في كتاب التذكية آنفا والحمد لله رب العالمين . وكره بعض الناس أكل ما قتله الكتابيون من الصيد - وهذا باطل لأن الصيد ذكاة ، وقد أباح الله تعالى لنا ما ذكوا ولم يخص ذبيحة من نحيرة من صيد { وما كان ربك نسيا } . وقد قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } ولم يفصل لنا تحريم هذا ، فلو كان حراما لفصل لنا تحريمه ، فإذ لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال محض . فإن موهوا بقول الله تعالى : { تناله أيديكم ورماحكم } . قلنا : وقد قال تعالى : { إلا ما ذكيتم } فحرموا بهذه الآية أكل ما ذبحوا إذا ، وإلا فقد تناقضتم وقوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } زائد على ما في هاتين الآيتين ، فالأخذ به واجب . وقولنا ههنا - هو قول عطاء ، والليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة ، [ ص: 154 ] والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم . والقول الآخر - هو قول مالك ، ولا نعلم له سلفا في هذا أصلا ; ولا جاء عن أحد من الصحابة ولا التابعين التفريق بين ذبائح أهل الكتاب وبين صيدهم . وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيرسل المجوسي بازي ؟ قال : نعم ، إذا أرسل المجوسي كلبك فقتل فكل وهو قول أبي ثور ، وغيره - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقال بعض الناس : قد علمنا أن النصراني إذا سمى الله تعالى فإنما يعني به المسيح ، فسواء أعلن باسم المسيح أو لم يعلن - وهذا باطل ، لأننا إنما نتبع ما أمرنا الله تعالى به ، ولا نعترض عليه بآرائنا . وقد قال الله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } فحسبنا إذا سمى الله تعالى فقد أتى بالصفة التي أباح الله تعالى لنا بها أكل ما ذكى ولا نبالي ما عنى ، لأن الله تعالى لم يأمرنا بمراعاة نيته الخبيثة { وما كان ربك نسيا } وإذا لم يذكر الله تعالى ، أو ذكر غير الله تعالى ، فقد أتى بالصفة التي حرم الله تعالى علينا الأكل مع وجودها ، لأنه أهل لغير الله به ، ولا نبالي بنيته الخبيثة ، إذ لم يأمر الله تعالى بذلك إلا كل أحد في نفسه خاصة .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية