الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من وصل وصله الله

                                                                                                                                                                                                        5641 حدثني بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معاوية بن أبي مزرد قال سمعت عمي سعيد بن يسار يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فهو لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرءوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم [ ص: 431 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 431 ] قوله : ( باب من وصل وصله الله ) أي من وصل رحمه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عبد الله ) هو ابن المبارك ، ومعاوية هو ابن أبي مزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء بعدها مهملة ، تقدم ضبطه وتسميته في أول الزكاة ، ولمعاوية بن أبي مزرد في هذا الباب حديث آخر وهو ثالث أحاديث الباب من طريق عائشة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ ) تقدم تأويل فرغ في تفسير القتال ، قال ابن أبي جمرة : يحتمل أن يكون المراد بالخلق جميع المخلوقات ، ويحتمل أن يكون المراد به المكلفين . وهذا القول يحتمل أن يكون بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها في الوجود ، ويحتمل أن يكون بعد خلقها كتبا في اللوح المحفوظ ولم يبرز بعد إلا اللوح والقلم ، ويحتمل أن يكون بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله : ألست بربكم لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام مثل الذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قامت الرحم فقالت ) قال ابن أبي جمرة : يحتمل أن يكون بلسان الحال ويحتمل أن يكون بلسان المقال قولان مشهوران ، والثاني أرجح . وعلى الثاني فهل تتكلم كما هي أو بخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلا ؟ قولان أيضا مشهوران ، والأول أرجح لصلاحية القدرة العامة لذلك ، ولما في الأولين من تخصيص عموم لفظ القرآن والحديث بغير دليل ، ولما يلزم منه من حصر قدرة القادر التي لا يحصرها شيء . قلت : وقد تقدم في تفسير القتال حمل عياض له على المجاز ، وأنه من باب ضرب المثل ، وقوله أيضا يجوز أن يكون الذي نسب إليه القول ملكا يتكلم على لسان الرحم ، وتقدم أيضا ما يتعلق بزيادة في هذا الحديث من وجه آخر عن معاوية بن أبي مزرد وهي قوله : فأخذت بحقو الرحمن ووقع في حديث ابن عباس عند الطبراني إن الرحم أخذت بحجزة الرحمن وحكى شيخنا في " شرح الترمذي " أن المراد بالحجزة هنا قائمة العرش ، وأيد ذلك بما أخرجه مسلم من حديث عائشة إن الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش وتقدم أيضا ما يتعلق بقوله : هذا مقام العائذ بك من القطيعة في تفسير القتال ، ووقع في رواية حبان بن موسى عن ابن المبارك بلفظ هذا مكان بدل مقام وهو تفسير المراد أخرجه النسائي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أصل من وصلك وأقطع من قطعك ) في ثاني أحاديث الباب من وجه آخر عن أبي هريرة من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته قال ابن أبي جمرة : الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه ، وإنما خاطب الناس بما يفهمون ، ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه ، وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله - تعالى - ، عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده . قال : وكذا القول في القطع ، هو كناية عن حرمان الإحسان . وقال القرطبي : وسواء قلنا إنه يعني القول المنسوب إلى الرحم على سبيل المجاز أو الحقيقة أو إنه على جهة التقدير والتمثيل كأن يكون المعنى : لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت كذا ، ومثله لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا الآية ، وفي آخرها وتلك الأمثال نضربها للناس فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم ، وأنه - تعالى - أنزلها منزلة من [ ص: 432 ] استجار به فأجاره فأدخله في حمايته ، وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، وإن من يطلبه الله بشيء من ذمته يدركه ثم يكبه على وجهه في النارأخرجه مسلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية