الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 3126 ] قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير

                                                          إن الذنوب مهما تكبر فباب التوبة مفتوح، فما أنزل الله الرسل ليحصوا عدد الذين أساءوا، بل للدعوة إلى الحق، وقد يكفرون فالدعوة تستمر لهدايتهم، ومن يستجب منهم تجب استجابته ما كان منه من قبل; ولذلك كان الباب مفتوحا، ولذا أمر الله نبيه - مع كفرهم - أن يقول لهم: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف

                                                          يأمر الله نبيه بأن يقول لهم في شأن الذين كفروا متحدثا عن مآلهم: إن ينتهوا عما هم فيه من كفر ومشاقة للمؤمنين ومحاربة للحق - يغفر لهم ما سلف من أعمالهم، ويدخلون في الإسلام طاهرين مبتدئين حياة جديدة هي طهر وتقى ونقاء.

                                                          وهناك قراءة بالخطاب، ورويت عن ابن مسعود : "إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف" ولكن القراءة المشهورة الأولى، ويكون المعنى: قل مخاطبا لهم: إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف.

                                                          والتعبير بالذين كفروا في موضعه; لأنهم متلبسون بالكفر، ومع تلبسهم بالكفر، إن ينزعوه من إهابهم ويلبسوا لباس الإيمان وينتهوا من أرجاسه يغفر لهم ما قد سلف; لأن الإسلام يجب ما قبله ، وعبر عن الإيمان بعد الكفر بـ"الانتهاء" للإشارة إلى أن الفطرة هي الإيمان، وأن الكفر عارض على النفس، وهو حال قابلة للانتهاء، وإذا انتهت عاد الطهر والنقاء.

                                                          [ ص: 3127 ] وقال تعالى: يغفر لهم ما قد سلف من حرب وإيذاء، ولبس الحق بالباطل، وكل ما كان منهم من جرائم في جنب الله، فالله غفور رحيم، وما ارتكبوا من زور وربا موضوع، وكل دماء الجاهلية موضوع، فكل هذا داخل في قوله تعالى: يغفر لهم ما قد سلف

                                                          وقرر الفقهاء أن الحربي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة من حقوق الله تعالى؛ لأنه إذا غفر الشرك فما دونه أولى بالغفران، إلا ما كان من حقوق العباد كديون عليه، أو أكل مال بالباطل أو نحو ذلك، والذمي إذا أسلم فإن الحدود تقام عليه، وحقوق العباد تجب على العباد; لأن ذلك يلزمه بمقتضى عقد الذمة، والإيمان يؤكد الالتزامات ولا يسقطها.

                                                          وقوله تعالى: وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين ظاهر النص: إن يعودوا إلى الكفر بعد الإيمان فإن معاملة الكافرين تعود إليهم، فمعنى فقد مضت أي: فقد تقررت سنة الأولين، وهي معاداتهم لله تعالى، منزل بهم ما نزل بالأولين من إخضاعهم للحق بالمحاربة وتنكيس رءوسهم، وإقامة الحق، أو تدمير ديارهم بزلزال مدمر أو حاصب من السماء، وإن سنة الأولين إما سلم مخزية، أو حرب مجلية، كما في بدر، أو ريح عاصف، أو سيل عال.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية