الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6619 [ ص: 210 ] 30 - باب: الاستراحة في المنام .

                                                                                                                                                                                                                              7022 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بينا أنا نائم رأيت أني على حوض أسقي الناس ، فأتاني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليريحني ، فنزع ذنوبين وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ، فأتى ابن الخطاب فأخذ منه ، فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر " . [انظر 3664 - مسلم : 2392 - فتح: 12 \ 415 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي : هو مثل في تأويله ، وإنما يراد بالمثل تقريب علم الشيء وإيضاحه بذكر نظيره ، وفي إغفال بيانه والذهاب عن معناه وعن موضع التشبيه فيه إبطال فائدة المثل وإثبات الفضيلة لعمر على الصديق ؛ إذ قد وصف بالقوة من حيث وصف الصديق بالضعف ، وتلك خطة أباها المسلمون [والمعنى ] -والله أعلم - : أنه إنما أراد بهذا إثبات خلافتهما ، والإخبار عن مدة ولايتهما ، والإبانة عما جرى عليه أحوال أمته في أيامهما ؛ فشبه أمر المسلمين بالقليب ، وهي البئر العادية ؛ وذلك لما يكون فيها من الماء الذي به حياة العباد وصلاح البلاد ، وشبه الوالي عليهم والقائم بأمورهم بالنازع الذي يستقي ، يقربه من الوارد ، ونزع أبي بكر ذنوبا أو ذنوبين على ضعف فيه إنما هو قصر مدة خلافته .

                                                                                                                                                                                                                              والذنوبان مثل ما في السنتين اللتين وليهما وأشهر بعدهما ، وانقضت أيامه في قتال أهل الردة وإصلاح أهل الدعوة ، ولم يتفرغ لافتتاح [ ص: 211 ] الأمصار وجباية الأموال فذلك ضعف نزعه .

                                                                                                                                                                                                                              وأما عمر فطالت أيامه واتسعت ولايته ، وفتح الله على يديه العراق والسواد وأرض مصر وكثيرا من بلاد الشام ، وقد غنم أموالها وقسمها في المسلمين ، فأخصبت رحالهم ، وحسنت بها أحوالهم ، فكان جودة نزعه مثلا لما نالوا من الخير في زمانه .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الطبري مثله عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : فتأول الناس معنى قوله : "حتى ضرب الناس بعطن " بأبي بكر وعمر . قال الخطابي : والعرب تضرب المثل في المفاخرة والمغالبة بالمساقاة والمساجلة ، فتقول : فلانا يساجل فلانا أي : يقاومه ويغالبه ، وأصل ذلك أن يستقي ساقيان ، فيخرج كل واحد منهما في سجله ما يخرج الآخر فأيهما نكل غلب . قال العباس بن الفضل بن العباس بن عبد المطلب وهو على بئر :


                                                                                                                                                                                                                              من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب



                                                                                                                                                                                                                              فسمعه الفرزدق فنضا ثيابه فقال : أنا أساجلك إدلالا منه بآبائه . فلما انتسب له العباس لبس ثيابه ، وقال : ما يساجلك إلا ابن فاعلة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 212 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ذكر الداودي وأبو عبد الملك أيضا أن معنى قوله : " وفي نزعه ضعف " قلة مقامه ، قال ابن التين : وفيه نظر ؛ لقوله : "والله يغفر له " . كلمة تقال على التشريف كقوله : عفا الله عنك [التوبة : 43 ] واستشكل أيضا قال : فكأنما أحيا الله بأبي بكر وأصلح على يديه لقلة عهده ، ولا هونا عند الله كما حلف عليه هو ثلاثا ، ثم ذكر قيامه وما أراد منه المسلمون أن يكف عن قتال مانعي الزكاة ويمسك جيش أسامة فأبى إلا القتال ، فرجع المسلمون إليه ، وأخرج أسامة إلى الوجه الذي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقاتل أهل الردة ، وانقطع أطماع أهل الكفر والنفاق ، وجمع (الله ) أمر المسلمين فلم يزل صاعدا .

                                                                                                                                                                                                                              والذنوب : الدلو الملأى وتكون النضيب ، قال صاحب "العين " : نزعت الشيء نزعا : قلعته ، وبئر نزوع : إذا نزعت دلاؤها بالأيدي ، وجمل نزوع : ينزع عليه الماء .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (" فاستحالت غربا " ) أي : استحالت الدلو غربا ، والغرب : الدلو العظيمة ، كما ذكره في "المجمل " و"الصحاح " والقزاز . زاد أبو عبد الملك : والغرب كل شيء رفيع . وقال الداودي : يعني الخطوط الحمر التي ترى بباطن الكف عند رفع الدلاء . والعبقري : الحاذق ، وقيل : المقدم . وقال الأصمعي : السيد . وقال أبو عبيد :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 213 ] وأصله -فيما يقال - أنه نسب إلى عبقر ؛ موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن ، قال لبيد :


                                                                                                                                                                                                                              . . . . . . . . . . . . . . . . كهول وشبان كجنة عبقر .



                                                                                                                                                                                                                              ثم نسبوا إليه كل ما تعجبوا من حرفة أو جودة صنعته ولونه ، وهو واحد وجمع ، والأواني عبقرية . وقال الداودي : عبقر قرية يصنع بها الديباج الحسن ، ومن هذا قيل للبسط : عبقرية .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( يفري فريه ) . أي : يعمل عمله ويقول كقوله ، وهو مشدد الياء ، ومنه قوله تعالى : لقد جئت شيئا فريا [مريم : 27 ] وأنشد فيه قول الراجز :


                                                                                                                                                                                                                              قد أطعمتني دقلا حوليا مسوسا ومدودا مجريا



                                                                                                                                                                                                                              قد كنت تفري به الفريا أي : قد كنت تكثرين فيه القول وتعظمينه ، ومسوس -بكسر الواو - وكذا مدود ، يقال : ساس الطعام وأساس وسوس أيضا ، وكذلك داد وداود ودود ، وقال الخليل : يقال في الشجاع : ما يفري أحد فريه ، مخففة الياء ، ومن شدد أخطأ .

                                                                                                                                                                                                                              والعطن ما حول الحوض والبئر من مبارك الإبل للشرب عللا بعد نهل ، ومعنى ضربت بعطن : بركت . قال ابن السكيت : وكذلك تقول : هذا عطن الغنم . قال في "المجمل " عن بعض أهل العلم باللغة : لا تكون أعطان الإبل إلا على الماء ، فأما مباركها في (المرابد ) أو عند الحي ، فهي المأوى ، ويكون مناخها مراحا أيضا ، والعطن [ ص: 214 ] والمعطن واحد . وقال ابن الأعرابي : أصل العطن : (الموضع ) الذي تبرك فيه الإبل قرب الماء إذا شربت ؛ لتعاد إليها إن أرادت ذلك . يقال : عطنت الإبل وأعطنها صاحبها ، والمعنى : أن الناس انبسطوا في ولاية عمر ، وانتشرت ولايتهم ، وفتحوا البلاد حتى قسموا المسك بالصاع . وقال الداودي : قيل له : عطن ؛ لتغير رائحته .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : (" فأخذها ابن أبي قحافة " ) . هو الصديق كما في الروايات ، وأبو قحافة : عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : وفيه دليل أن الدنيا للصالحين دار نصب وتعب ، وأن الراحة منها في الموت على الصلاح والدين ، كما استراح من تعب ذلك السقي بالموت .

                                                                                                                                                                                                                              والحوض -في قوله : " بينا أنا نائم رأيتني على حوض أسقي الناس فأتاني أبو بكر . . " إلى آخره - معدن العلم ، هو القرآن الذي يغترف الناس كلهم منه دون أن ينقص حتى يرووا ، وهو معدن لا يفنى ولا ينتقص .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية