الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ثور ]

                                                          ثور : ثار الشيء ثورا وثئورا وثورانا وتثور : هاج ; قال أبو كبير الهذلي :


                                                          يأوي إلى عظم الغريف ونبله كسوام دبر الخشرم المتثور

                                                          وأثرته وهثرته على البدل وثورته ، وثور الغضب : حدته . والثائر : الغضبان ، ويقال للغضبان أهيج ما يكون : قد ثار ثائره ، وفار فائره ، إذا غضب وهاج غضبه . وثار إليه ثورا وثئورا وثورانا : وثب . والمثاورة : المواثبة . وثاوره مثاورة وثوارا ; عن اللحياني : واثبه وساوره . ويقال : انتظر حتى تسكن هذه الثورة ، وهي الهيج . وثار الدخان والغبار وغيرهما يثور ثورا وثئورا وثورانا : ظهر وسطع وأثاره هو ; قال :


                                                          يثرن من أكدرها بالدقعاء     منتصبا مثل حريق القصباء

                                                          الأصمعي : رأيت فلانا ثائر الرأس إذا رأيته قد اشعان شعره أي : انتشر وتفرق وفي الحديث : جاءه رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسأله عن الإيمان ; أي : منتشر شعر الرأس قائمه ، فحذف المضاف ; ومنه الحديث الآخر : يقوم إلى أخيه ثائرا فريصته ; أي : منتفخ الفريصة قائمها غضبا ، والفريصة : اللحمة التي بين الجنب والكتف لا تزال ترعد من الدابة وأراد بها هاهنا عصب الرقبة وعروقها ; لأنها هي التي تثور عند الغضب ، وقيل : أراد شعر الفريصة على حذف المضاف . ويقال : ثارت نفسه إذا جشأت وإن شئت جاشت ; قال أبو منصور : جشأت أي : ارتفعت وجاشت أي : فارت . ويقال : مررت بأرانب فأثرتها . ويقال : كيف الدبى ؟ فيقال : ثائر وناقر ، فالثائر ساعة ما يخرج من التراب والناقر حين ينقر أي يثب من الأرض . وثار به [ ص: 54 ] الدم وثار به الناس أي : وثبوا عليه . وثور البرك واستثارها أي : أزعجها وأنهضها . وفي الحديث : فرأيت الماء يثور من بين أصابعه أي : ينبع بقوة وشدة ; والحديث الآخر : بل هي حمى تثور أو تفور . وثار القطا من مجثمه وثار الجراد ثورا وانثار : ظهر . والثور : حمرة الشفق الثائرة فيه ، وفي الحديث : صلاة العشاء الآخرة إذا سقط ثور الشفق ، وهو انتشار الشفق ، وثورانه حمرته ومعظمه . ويقال : قد ثار يثور ثورا وثورانا إذا انتشر في الأفق وارتفع ، فإذا غاب حلت صلاة العشاء الآخرة ، وقال في المغرب : ما لم يسقط ثور الشفق . والثور : ثوران الحصبة . وثارت الحصبة بفلان ثورا وثئورا وثؤارا وثورانا : انتشرت ; وكذلك كل ما ظهر ، فقد ثار يثور ثورا وثورانا . وحكى اللحياني : ثار الرجل ثورانا ظهرت فيه الحصبة . ويقال : ثور فلان عليهم شرا إذا هيجه وأظهره . والثور الطحلب وما أشبهه على رأس الماء . ابن سيده : والثور ما علا الماء من الطحلب والعرمض والغلفق ونحوه ، وقد ثار الطحلب ثورا وثورانا وثورته وأثرته . وكل ما استخرجته أو هجته ، فقد أثرته إثارة وإثارا ; كلاهما عن اللحياني . وثورته واستثرته كما تستثير الأسد والصيد ; وقول الأعشى :


                                                          لكالثور والجني يضرب ظهره     وما ذنبه أن عافت الماء مشربا

                                                          أراد بالجني اسم راع ، وأراد بالثور هاهنا ما علا الماء من القماس يضربه الراعي ليصفو الماء للبقر ; وقال أبو منصور وغيره : يقول ثور البقر أجرأ فيقدم للشرب لتتبعه إناث البقر ; وأنشد :


                                                          أبصرتني بأطير الرجال     وكلفتني ما يقول البشر
                                                          كما الثور يضربه الراعيان     وما ذنبه أن تعاف البقر

                                                          والثور : السيد وبه كني عمرو بن معد يكرب أبا ثور . وقول علي - كرم الله وجهه - : إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض ; عنى به عثمان - رضي الله عنه - ، لأنه كان سيدا وجعله أبيض ; لأنه كان أشيب ، وقد يجوز أن يعني به الشهرة ; وأنشد لأنس بن مدرك الخثعمي :


                                                          إني وقتلي سليكا ثم أعقله     كالثور يضرب لما عافت البقر
                                                          غضبت للمرء إذ نيكت حليلته     وإذ يشد على وجعائها الثفر

                                                          قيل : عنى الثور الذي هو الذكر من البقر ; لأن البقر تتبعه فإذا عاف الماء عافته ، فيضرب ليرد فترد معه ، وقيل : عنى بالثور الطحلب ; لأن البقار إذا أورد القطعة من البقر فعافت الماء وصدها عنه الطحلب ضربه ليفحص عن الماء فتشربه . وقال الجوهري في تفسير الشعر : إن البقر إذا امتنعت من شروعها في الماء لا تضرب ; لأنها ذات لبن ، وإنما يضرب الثور لتفزع هي فتشرب ، ويقال للطحلب : ثور الماء ; حكاه أبو زيد في كتاب المطر ; قال ابن بري : ويروى هذا الشعر :


                                                          إني وعقلي سليكا بعد مقتله

                                                          قال : وسبب هذا الشعر أن السليك خرج في تيم الرباب يتبع الأرياف فلقي في طريقه رجلا من خثعم يقال له مالك بن عمير فأخذه ومعه امرأة من خفاجة يقال لها نوار ، فقال الخثعمي : أنا أفدي نفسي منك ، فقال له السليك : ذلك لك على أن لا تخيس بعهدي ولا تطلع علي أحدا من خثعم ، فأعطاه ذلك وخرج إلى قومه وخلف السليك على امرأته فنكحها ، وجعلت تقول له : احذر خثعم ! فقال :


                                                          وما خثعم إلا لئام أذلة     إلى الذل والإسخاف تنمى وتنتمي

                                                          فبلغ الخبر أنس بن مدركة الخثعمي وشبل بن قلادة فحالفا الخثعمي زوج المرأة ولم يعلم السليك حتى طرقاه ، فقال أنس لشبل : إن شئت كفيتك القوم وتكفيني الرجل ، فقال : لا بل اكفني الرجل وأكفيك القوم ، فشد أنس على السليك فقتله ، وشد شبل وأصحابه على من كان معه ، فقال عوف بن يربوع الخثعمي وهو عم مالك بن عمير : والله لأقتلن أنسا لإخفاره ذمة ابن عمي ! وجرى بينهما أمر وألزموه ديته فأبى فقال هذا الشعر ; وقوله :


                                                          كالثور يضرب لما عافت البقر

                                                          هو مثل يقال عند عقوبة الإنسان بذنب غيره ، وكانت العرب إذا أوردوا البقر فلم تشرب لكدر الماء أو لقلة العطش ضربوا الثور ليقتحم الماء فتتبعه البقر ; ولذلك يقول الأعشى :


                                                          وما ذنبه إن عافت الماء باقر     وما أن يعاف الماء إلا ليضربا

                                                          وقوله :


                                                          وإذ يشد على وجعائها الثفر

                                                          الوجعاء : السافلة وهي الدبر . والثفر : هو الذي يشد على موضع الثفر ، وهو الفرج ، وأصله للسباع ثم يستعار للإنسان . ويقال : ثورت كدورة الماء فثار . وأثرت السبع والصيد إذا هجته . وأثرت فلانا إذا هيجته لأمر . واستثرت الصيد إذا أثرته أيضا . وثورت الأمر : بحثته . وثور القرآن : بحث عن معانيه وعن علمه . وفي حديث عبد الله : أثيروا القرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين ، وفي رواية : علم الأولين والآخرين ; وفي حديث آخر : من أراد العلم فليثور القرآن ; قال شمر : تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء به في تفسيره ومعانيه ، وقيل : لينقر عنه ، ويفكر في معانيه وتفسيره وقراءته ، وقال أبو عدنان : قال محارب صاحب الخليل لا تقطعنا فإنك إذا جئت أثرت العربية ; ومنه قوله :


                                                          يثورها العضان زيد ودغفل

                                                          وأثرت البعير أثيره إثارة فثار يثور وتثور تثورا إذا كان باركا ، وبعثه فانبعث . وأثار التراب بقوائمه إثارة : بحثه ; قال :


                                                          يثير ويذري تربها ويهيله     إثارة نباث الهواجر مخمس

                                                          قوله : نباث الهواجر يعني الرجل الذي إذا اشتد عليه الحر هال التراب ليصل إلى ثراه ، وكذلك يفعل في شدة الحر . وقالوا : ثورة رجال كثروة رجال ؛ قال ابن مقبل :

                                                          [ ص: 55 ]

                                                          وثورة من رجال لو رأيتهم     لقلت إحدى حراج الجر من أقر

                                                          ويروى وثروة . ولا يقال ثورة مال إنما هو ثروة مال فقط . وفي التهذيب : ثورة من رجال وثورة من مال للكثير . ويقال : ثروة من رجال ، وثروة من مال بهذا المعنى . وقال ابن الأعرابي : ثورة من رجال وثروة ، يعني عددا كثيرا ، وثروة من مال لا غير . والثور : القطعة العظيمة من الأقط ، والجمع أثوار وثورة ، على القياس . ويقال : أعطاه ثورة عظاما من الأقط جمع ثور . وفي الحديث : توضئوا مما غيرت النار ، ولو من ثور أقط ; قال أبو منصور : وذلك في أول الإسلام ثم نسخ بترك الوضوء مما مست النار ، وقيل : يريد غسل اليد والفم منه ، ومن حمله على ظاهره أوجب عليه وجوب الوضوء للصلاة . وروي عن عمرو بن معد يكرب أنه قال : أتيت بني فلان فأتوني بثور وقوس وكعب ; فالثور القطعة من الأقط ، والقوس البقية من التمر تبقى في أسفل الجلة ، والكعب الكتلة من السمن الحامس . وفي الحديث : أنه أكل أثوار أقط ; الأثوار جمع ثور ، وهي قطعة من الأقط ، وهو لبن جامد مستحجر . والثور : الأحمق ; ويقال للرجل البليد الفهم : ما هو إلا ثور . والثور : الذكر من البقر ; وقوله أنشده أبو علي بن أبي عثمان :


                                                          أثور ما أصيدكم أو ثورين     أم تيكم الجماء ذات القرنين

                                                          فإن فتحة الراء منه فتحة تركيب ثور مع ما بعده كفتحة راء حضرموت ، ولو كانت فتحة إعراب لوجب التنوين لا محالة ; لأنه مصروف ، وبنيت " ما " مع الاسم ، وهي مبقاة على حرفيتها كما بنيت " لا " مع النكرة في نحو لا رجل ، ولو جعلت " ما " مع ثور اسما ضممت إليه ثورا لوجب مدها ; لأنها قد صارت اسما ، فقلت : أثور ماء أصيدكم ; كما أنك لو جعلت حاميم من قوله :


                                                          يذكرني حاميم والرمح شاجر

                                                          اسمين مضموما أحدهما إلى صاحبه لمددت حا فقلت : حاء ميم ليصير كحضرموت ، كذا أنشده الجماء جعلها جماء ذات قرنين على الهزء ; وأنشدها بعضهم الحماء ; والقول فيه كالقول في ويحما من قوله :


                                                          ألا هيما مما لقيت وهيما     وويحا لمن لم يلق منهن ويحما

                                                          والجمع أثوار وثيار وثيارة وثورة وثيرة وثيران وثيرة ، على أن أبا علي قال في ثيرة إنه محذوف من ثيارة ، فتركوا الإعلال في العين أمارة لما نووه من الألف ، كما جعلوا الصحيح نحو اجتوروا واعتونوا دليلا على أنه في معنى ما لا بد من صحته ، وهو تجاوروا وتعاونوا ، وقال بعضهم : هو شاذ ، وكأنهم فرقوا بالقلب بين جمع ثور من الحيوان وبين جمع ثور من الأقط ; لأنهم يقولون في ثور الأقط ثورة فقط وللأنثى ثورة ; قال الأخطل :


                                                          وفروة ثفر الثورة المتضاجم

                                                          وأرض مثورة : كثيرة الثيران ; عن ثعلب . الجوهري عند قوله في جمع ثيرة : قال سيبويه : قلبوا الواو ياء حيث كانت بعد كسرة ، قال : وليس هذا بمطرد . وقال المبرد : إنما قالوا ثيرة ليفرقوا بينه وبين ثورة الأقط ، وبنوه على فعلة ثم حركوه ، ويقال : مررت بثيرة لجماعة الثور . ويقال : هذه ثيرة مثيرة أي : تثير الأرض . وقال الله تعالى في صفة بقرة بني إسرائيل : تثير الأرض ولا تسقي الحرث ; أرض مثارة إذا أثيرت بالسن ، وهي الحديدة التي تحرث بها الأرض . وأثار الأرض : قلبها على الحب بعدما فتحت مرة ، وحكي أثورها على التصحيح . وقال الله - عز وجل - : وأثاروا الأرض ; أي : حرثوها وزرعوها واستخرجوا منها بركاتها وأنزال زرعها . وفي الحديث : أنه كتب لأهل جرش بالحمى الذي حماه لهم للفرس والراحلة والمثيرة ; أراد بالمثيرة بقر الحرث ; لأنها تثير الأرض . والثور : برج من بروج السماء ، على التشبيه . والثور : البياض الذي في أسفل ظفر الإنسان . وثور : حي من تميم . وبنو ثور : بطن من الرباب ، وإليهم نسب سفيان الثوري . الجوهري : ثور أبو قبيلة من مضر وهو ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر وهم رهط سفيان الثوري . وثور بناحية الحجاز : جبل قريب من مكة يسمى ثور أطحل . غيره : ثور جبل بمكة ، وفيه الغار نسب إليه ثور بن عبد مناة لأنه نزله . وفي الحديث : أنه حرم ما بين عير إلى ثور . ابن الأثير قال : هما جبلان ، أما عير فجبل معروف بالمدينة ، وأما ثور فالمعروف أنه بمكة ، وفيه الغار الذي بات فيه سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر ، وهو المذكور في القرآن ; وفي رواية قليلة ما بين عير وأحد ، وأحد بالمدينة ، قال : فيكون ثور غلطا من الراوي ، وإن كان هو الأشهر في الرواية والأكثر ، وقيل : إن عيرا جبل بمكة ، ويكون المراد أنه حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور من مكة أو حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف . وقال أبو عبيد : أهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور ، وإنما ثور بمكة . وقال غيره : إلى بمعنى مع كأنه جعل المدينة مضافة إلى مكة في التحريم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية