الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6629 [ ص: 231 ] 39 - باب: إذا رأى بقرا تنحر

                                                                                                                                                                                                                              7035 - حدثني محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد ، عن جده أبي بردة ، عن أبي موسى -أراه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب ، ورأيت فيها بقرا -والله خير - فإذا هم المؤمنون يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله من الخير وثواب الصدق الذي أتانا الله به بعد يوم بدر" . [انظر : 3622 - مسلم : 2272 - فتح: 12 \ 421 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي موسى - رضي الله عنه -أراه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب ، ورأيت فيها بقرا -والله خير - فإذا هم المؤمنون يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله به بعد يوم بدر " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف في غزوة أحد مختصرا والسند واحد . و (وهلي ) يعني : وهمي عن صاحب "العين " وعليه اقتصر ابن بطال ، وقال ابن التين : هو بسكون الهاء . تقول : وهلت بالفتح أهل وهلا : إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره ، مثل : وهمت ، ووهل في بالكسر وعن الشيء يوهل وهلا بالتحريك : إذا فزع . كذا ذكر أهل اللغة : ورويناه هنا وهلي بالتحريك . ولعله يجوز على معنى مثاله مثل البحر والبحر والنهر والنهر والشعر والشعر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 232 ] و ( اليمامة ) - (بفتح الياء ) - بلاد كان اسمها الجو فسميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام . قال : أبصر من زرقاء اليمامة . و ( هجر ) اسم بلد مذكر مصروف . وفي المثل : كبضع تمر إلى هجر . والنسبة إليها هاجري على غير قياس . قال الجوهري : أسماء البلدان الغالب عليها التأنيث . وترك الصرف إلا منى والشام والعراق وواسط ودابق وفلج وهجر فإنها تذكر وتصرف ، ويجوز أن يريد به البلدة فلا يصرف . و ( يثرب ) هي المدينة شرفها الله تعالى ، وسميت في القرآن يثرب على وجه الإخبار على تسمية المشركين لها يثرب قبل أن يسميها الله دار الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الموطأ " : يقولون : يثرب قيل : كره أن يسميها يثرب ، وإنما ذلك على وجه العيب لمقابله . وقيل : من قال : يثرب وهو عالم كتبت عليه خطيئة . وقال ابن عزير : يثرب أرض والمدينة في ناحية منها . والذي في "الصحاح " وغيرها ما قدمناه أنها المدينة والنسبة إليها يثربي -بفتح الراء - فتحت استحسانا ؛ لتوالي الكسرات ، قاله الجوهري .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : هذه الرؤيا فيها نوعان من التأويل : فيها الرؤيا على حسب ما رئيت ، وهو قوله : (" أهاجر إلى أرض بها نخل " ) وكذلك هاجر ، فخرج على ما رأى ، وفيها ضرب المثل ؛ لأنه رأى بقرا تنحر ، فكانت البقر أصحابه ، فعبر - عليه السلام - عن حالة الحرب بالبقر من

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 233 ] أجل ما لها من السلاح ، والقرون شبهت بالرماح ، (و ) لما كان طبع البقر المباطحة ، والدفاع عن أنفسها بقرونها كما يفعل رجال الحرب . وشبه - عليه السلام - النحر بالقتل .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : " والله خير " . يعني ما عند الله من ثواب القتل في سبيل الله خير للمقتول من الدنيا ، وقيل : معنى : و"الله خير " أن صنعه لهم خير لهم ؛ وهو قتلهم يوم أحد ، وقد يدل البقر على أهل البادية بعمارتهم الأرض وعيشهم من نباتها ، وقد يدل الثور على الثائر ؛ لأنه يثير الأرض عن حالها ، فكذلك الثائر أيضا يثير الناحية التي يقوم فيها ويحرك أهلها ، ويقلب أسفلها أعلاها .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي طالب العابر : والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سمانا فهي (سنين ) رخاء ، وإن كانت عجافا كانت شدادا ، فإن كانت المدينة مدينة بحر وإبان سفر قدمت سفن على عددها وحالها ، وإلا كانت فتن مترادفة كأنها وجوه البقر ، كما في الخبر : "يشبه بعضها بعضا " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي خبر آخر في الفتن : " كأنها صياصي البقر " يريد لتشابهها إلا أن تكون صفرا كلها فإنها أمراض تدخل على الناس ، وإن كانت مختلفة الألوان شنيعة القرون وكانت الناس ينفرون منها أو كان النار والدخان يخرج من أفواهها ، فإنه عسكر ، أو إغارة ، أو عدو يضرب

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 234 ] عليهم وينزل بساحتهم ، وقد تدل البقرة على الزوجة والخادم والأرض والغلة والسنة ؛ لما يكون فيها من الولد والغلة والنبات .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية