الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( التاسع )

مذهب السلف هو المذهب المنصور ، والحق الثابت المأثور ، وأهله هم الفرقة الناجية ، والطائفة المرحومة التي هي بكل خير فائزة ، ولكل مكرمة راجية ، من الشفاعة والورود على الحوض ، ورؤية الحق ، وغير ذلك من سلامة الصدر والإيمان بالقدر ، والتسليم لما جاءت به النصوص ، فمن المحال أن يكون الخالفون أعلم من السالفين ، كما يقوله بعض من لا تحقيق لديه ممن لا يقدر قدر السلف ، ولا عرف الله - تعالى - ولا رسوله ولا المؤمنين به حق المعرفة المأمور بها من أن طريقة السلف أسلم ، وطريقة الخلف أعلم وأحكم ، وهؤلاء إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ذلك بمنزلة الأميين ، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المعروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهور ، وقد كذبوا وأفكوا على طريقة السلف ، وضلوا في تصويب طريقة الخلف ، فجمعوا بين باطلين : الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم ، والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم . قال الحافظ ابن رجب في كتابه ( بيان فضل علم السلف على علم الخلف ) ما نصه : " ومن محدثات الأمور ما أحدثه المعتزلة ، ومن حذا حذوهم ، من الكلام في ذات الله - تعالى - وصفاته بأدلة العقول ، وهي أشد خطرا من الكلام في القدر ; لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله ، وهذا كلام في ذاته وصفاته ، وينقسم هؤلاء إلى قسمين : أحدهما من نفى كثيرا مما ورد به الكتاب والسنة ; لاستلزامه عنده التشبيه كنفي الرؤية والاستواء ، وهذا طريق المعتزلة والجهمية ، وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم ، وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن ينتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين . والثاني من رام إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر ، ورد على أولئك [ ص: 26 ] مقالتهم ، كالكرامية ومن وافقهم ، حتى إن منهم من أثبت الجسم ، إما لفظا وإما معنى ، ومنهم من أثبت له - تعالى - صفات لم يأت بها الكتاب والسنة كالحركة ، وقد أنكر السلف على مقاتل رده على جهم بأدلة العقل ، وبالغوا في الطعن عليه ، والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت ، من غير تكييف ولا تمثيل ، ولا يصح عن أحد من السلف خلاف ذلك ألبتة ، خصوصا الإمام أحمد ، رضي الله عنه .

ولا خوض في معانيها ، ولا ضرب مثل لها ، وإن كان بعض من كان قريبا من زمنه فيهم من فعل ذلك من ذلك ( ؟ ) اتباعا لطريقة مقاتل بن سليمان ، فلا يقتدى به في ذلك ، وإنما الاقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ، وأبي عبيد ونحوهم - رضي الله عنهم - ، فكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام المتكلمين ، فضلا عن كلام الفلاسفة ، ولم يدخل ذلك في كلامه من سلم من قدح وجرح ، وقد قال أبو زرعة الرازي : كل من كان عنده علم فلم يصن علمه ، واحتاج في نشره إلى شيء من الكلام فلستم منه . وقال الحافظ ابن رجب أيضا : وفي زماننا تتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم ، فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة ، وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم ، وهو أشد مخالفة لها ; لشذوذه عن الأمة ، وانفراده عنهم بفهم يفهمه ، أو بأخذ ما لم تأخذ به الأمة من قبله ، وأما الدخول مع ذلك في كلام المتكلمين والفلاسفة فشر محض ، وقل من دخل في شيء من ذلك إلا وتلطخ ببعض أوضارهم ، كما قال الإمام أحمد - رضي الله عنه : لا يخلو من نظر في الكلام إلا تجهم .

وكان هو وغيره يحذرون من أهل الكلام ، وإن ذبوا عن السنة ، وأما ما يوجد في كلام من أحب الكلام المحدث ، واتبع أهله من ذم من لا يتوسع في الخصومات والجدال ونسبته إلى الجهل أو الحشو ، أو إلى أنه غير عارف بالله أو بدينه ، فمن خطوات الشيطان ، نعوذ بالله منه . انتهى ملخصا .

وفي الآداب للعلامة ابن مفلح - رحمه الله تعالى - عن الطبراني قال : حدثنا عبد الله ابن الإمام أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : قبور أهل السنة من أهل [ ص: 27 ] الكبائر روضة ، وقبور أهل البدعة من الزنادقة حفرة . فساق أهل السنة أولياء الله ، وزهاد أهل البدعة أعداء الله . وفي صحيح مسلم ، عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تسمع ، ومن دعوة لا يستجاب لها . وخرجه أهل السنن من وجوه متعددة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي بعضها : " ومن دعاء لا يسمع . وفي بعضها : " أعوذ بك من هؤلاء الأربع " . وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني " . ورواه النسائي من حديث أنس - رضي الله عنه - وزاد : " وارزقني علما تنفعني به " . ويأتي الكلام على هذا بأبسط من هذا في المقدمة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية