الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      فصل في ذم من أراد بفعله غير الله تعالى .

                                      اعلم أن ما ذكرناه من الفضل في طلب العلم إنما هو فيمن طلبه مريدا به وجه الله تعالى ، لا لغرض من الدنيا ، ومن أراده لغرض دنيوي كمال أو رياسة أو منصب أو وجاهة ، أو شهرة أو استمالة الناس إليه ، أو قهر المناظرين ، أو نحو ذلك فهو مذموم ، قال الله تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ، وما له في الآخرة من نصيب } ، وقال تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا } الآية ، وقال تعالى : { إن ربك لبالمرصاد } ، وقال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } ، والآيات فيه كثيرة . وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت ، ولكنك قاتلت ليقال جريء ، فقد قيل : ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم ، وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على ، وجهه حتى ألقي في النار } )

                                      وروينا عن أبي هريرة أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 47 ] { من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني : ريحها } رواه أبو داود ، وغيره بإسناد صحيح ، وروينا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من تعلم علما ينتفع به في الآخرة يريد به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة } روي بفتح الياء مع فتح الراء ، وكسرها ، وروي بضم الياء مع كسر الراء ، وهي ثلاث لغات مشهورة ، ومعناه لم يجد ريحها ، وعن أنس ، وحذيفة قالا : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من طلب العلم ليماري به السفهاء ، ويكاثر به العلماء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار } ) ، ورواه الترمذي من رواية كعب بن مالك ، وقال فيه : ( أدخله الله النار ) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينتفع به } ، وعنه صلى الله عليه وسلم : { شرار الناس شرار العلماء . } وروينا في مسند الدارمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم ، ووافق علمه عمله ، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم ، يخالف عملهم علمهم ، ويخالف سريرتهم علانيتهم ، يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ، ويدعه ، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى " ، وعن سفيان : " ما ازداد عبد علما فازداد في الدنيا رغبة إلا ازداد من الله بعدا " ، وعن حماد بن سلمة : ( من طلب الحديث لغير الله مكر به ) ، والآثار به كثيرة

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية