الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل . [ كراهة العلماء التسرع في الفتوى ] وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى ، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره : فإذا رأى بها قد تعينت عليه بذل

اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى . وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراه قال في المسجد ، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا [ ص: 28 ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه ، ولا يحدث حديثا إلا ود أن أخاه كفاه .

وقال مالك عن يحيى بن سعيد إن بكير بن الأشج أخبره عن معاوية بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر ، فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال : إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا فماذا تريان ؟ فقال عبد الله بن الزبير : إن هذا الأمر ما لنا فيه قول ، فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ائتنا فأخبرنا ، فذهبت فسألتهما فقال ابن عباس لأبي هريرة : أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة ، فقال أبو هريرة : الواحدة تبينها ، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره .

وقال مالك عن يحيى بن سعيد قال : قال ابن عباس : إن كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون ، قال مالك : وبلغني عن ابن مسعود مثل ذلك ، رواه ابن وضاح عن يوسف بن عدي عن عبد بن حميد عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله ، ورواه حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن عبد الله .

وقال سحنون بن سعيد : أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما ، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه .

قلت : الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته ، فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم ، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه ، ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا ، وقد تقدم أن فتاواه جمعت في عشرين سفرا ، وكان سعيد بن المسيب أيضا ، واسع الفتيا ، وكانوا يسمونه كما ذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال : كنت أرى الرجل في ذلك الزمان وإنه ليدخل يسأل عن الشيء فيدفعه الناس عن مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب كراهية للفتيا ، قال : وكانوا يدعونه سعيد بن المسيب الجريء .

وقال سحنون : إني لأحفظ مسائل منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء ، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب قبل الخبر ؟ فلم ألام على حبس الجواب ؟ وقال ابن وهب : حدثنا أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين قال : قال حذيفة : إنما يفتي الناس أحد ثلاثة : من يعلم ما نسخ من القرآن ، أو أمير لا يجد بدا ، أو أحمق متكلف ، قال : فربما قال ابن سيرين : فلست بواحد من هذين ، ولا أحب أن أكون الثالث

التالي السابق


الخدمات العلمية