الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (238):

يدل على تأكيد الأمر في الصلاة الوسطى. [ ص: 213 ] ويدل على المفروضات المعهودات في اليوم والليلة، فإن دخول الألف واللام عليها إشارة إلى معهود.

فأما الوسطى، فلا تبين إلا إذا بانت الأولى والأخرى.

وروي عن زيد بن ثابت أنه قال: هي الظهر، لأنه عليه السلام كان يصلي في الهجير، فلا يكون وراءه إلا القليل، وذلك أن الناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فلما كانت أثقل الصلوات على الصحابة أنزل الله ذلك.

وقال زيد بن ثابت: إنما سماها الله "الوسطى" لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.

ولا شك أن ما من صلاة من الصلوات الخمس بعينها إلا وقبلها صلاتان وبعدها صلاتان.

وقال عمر وابن عباس: هي العصر، وفي بعض مصاحف الصحابة: تعبير العصر : إما تفسيرا، وإما قراءة منسوخة.

وفي بعض الأخبار عن علي رضي الله عنه أنه قال: قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن صلاة العصر حتى قربت الشمس أن تغيب، فقال النبي عليه السلام:

"اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا"
.

وقال علي رضي الله عنه: "كنا نرى أنها صلاة الفجر" .

وعن ابن عباس عن النبي عليه السلام مثل ذلك. [ ص: 214 ] وذكروا أن العصر سميت "الوسطى" لأنها بين صلاتين من صلاة النهار، وصلاتين من صلاة الليل.

وقيل: إن أول الصلوات كان وجوب الفجر، وآخرها العشاء، فكانت العصر هي الوسطى في الوجوب.

ومن قال: "الوسطى" هي الظهر، قال: لأنها وسطى صلاة النهار من الفجر والعصر.

ومن قال الصبح; فقد قال ابن عباس: لأنها تصلى في سواد من الليل، وبياض من النهار، فجعلها وسطى في الوقت.

والرواية عن ابن عباس في ذلك صحيحة لم يختلف الثقاة فيها، فلذلك اختار الشافعي أن الوسطى هي صلاة الصبح، وإفرادها مبين، في قوله: أقم الصلاة - إلى قوله: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا .

واعلم أن الوسطى إنما تقدر في العدد الوتر، فإنك إذا أخذت واحدة بقيت أربعة: اثنتان قبلها واثنتان بعدها، وذلك يقتضي إخراج الوتر من الواجبات، لأنها تكون ستا مع الوتر، فلا تكون الواحدة منها وسطى في الإيجاب إلا أن يقال إنها الظهر، لأنها بين صلاتي نهار: الفجر والعصر، فيقدر العدد الوتر لصلوات النهار، وذلك ضعيف جدا.

فإن قوله: حافظوا على الصلوات انصرف إلى الصلوات الخمس المعهودة بجملتها، فتبعيضها خلاف المفروض قطعا.

وقد قيل إنها وسطى الصلوات المكتوبات، وليس الوتر من المكتوبات [ ص: 215 ] لأنه يسمى واجبا، وهذا أيضا ضعيف، لأن الاختلاف في التسمية كان لتمييز المختلف فيه بين العلماء من المتفق عليه، ولا يجوز أن يكون ذلك معتبرا عند الله في إخراج الوتر عن جملة الواجبات لاختلاف يقع بين العلماء في عبارة فيضعوا سمة للمختلف فيه وأخرى للمتفق عليه.

وأقرب ما قيل في دفع ذلك: أن وجوب الوتر زيادة وردت بعد فرض المكتوبات، لقوله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله زادكم صلاة وهي الوتر" .

وإنما سميت وسطى بعد الوتر، وهذا لأنه ادعاء نسخ للذي ورد في القرآن من معنى الوسطى بالاحتمال المجرد وذلك لا وجه له.

التالي السابق


الخدمات العلمية