الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                          صفحة جزء
                                          قوله: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان آية 102.

                                          [982 ] حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو أسامة عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال: آصف كاتب سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا من كل سطرين سحرا وكفرا، وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل بها. قال: فأكفره جهال الناس وسبوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل على محمد: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا [983 ] حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم ثنا المسعودي عن زياد مولى مصعب عن الحسن : واتبعوا ما تتلو الشياطين قال: ثلث الشعر، وثلث السحر، وثلث الكهانة.

                                          [984 ] أخبرنا محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي فيما كتب إلي، حدثني أبي ثنا عمي الحسين عن أبيه عن جده عن ابن عباس قوله: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا وكان حين ذهب ملك سليمان ارتد قيام من الجن والإنس. واتبعوا الشهوات، فلما رجع الله إلى سليمان ملكه وقام الناس على الدين كما كان، وإن سليمان ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه، وتوفي سليمان حدثان ذلك. فظهر الجن والإنس على الكتب بعد وفاة سليمان، وقالوا: هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه منا، فأخذوه فجعلوه دينا فأنزل الله عز وجل: ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم [ ص: 186 ] نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا الشهوات التي كانت الشياطين تتلو وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله .

                                          [985 ] حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قول الله: واتبعوا ما تتلو الشياطين قال: إن اليهود سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله: واتبعوا ما تتلو الشياطين إلى آخر الآية وإن الشياطين كتبوا السحر والكهانة فدفنوه في مجلس سليمان، وكان سليمان لا يعلم الغيب فلما مات سليمان استخرجوا ذلك السحر وخدعوا الناس به، وقالوا: هذا علم كان سليمان يكتمه الناس ويحسدهم عليه، فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات رجعوا وقد خزوا، ودحض الله حجتهم .

                                          [986 ] حدثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي حدثني سرور بن المغيرة ، عن عباد بن منصور عن الحسن : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان واتبعته اليهود على ملكه. وكان السحر قبل ذلك في الأرض ولم يزل بها ولكنه إنما اتبع على ملك سليمان.

                                          [987 ] حدثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حماد ثنا أسباط عن السدي : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا، حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم فأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كل كلمة، سبعين كلمة، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق.

                                          [988 ] حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ثنا عبد الرحمن بن سلمة ثنا سلمة بن إسحاق: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان أي في ملك سليمان. يعني يهود الذين قالوا ما قالوا.

                                          [ ص: 187 ] قوله: وما كفر سليمان

                                          [989 ] حدثنا علي بن حرب الموصلي ثنا القاسم بن يزيد عن سفيان عن حصين عن عمران السلمي -يعني ابن حرب الحارث - عن ابن عباس قال: لما مات سليمان بن داود قام شيطان فقال: أنا أدلكم على كنز ليس له مثله، قالوا: وأين هو؟ قال: تحت كرسيه قالوا: إن هذا لسحر فتناسختها الأمم فاتخذوها سحرا، فأنزل الله عذر سليمان: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان فبقية تلك الأحاديث يتحدث بها أهل العراق .

                                          [990 ] حدثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد أخبرني سعيد بن بشير عن قتادة في قوله: وما كفر سليمان قال: ما كان عن مشورته ولا أمره.

                                          [991 ] حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ثنا عبد الرحمن بن سلمة ثنا سلمة عن ابن إسحاق : وما كفر سليمان أي ما علم بالسحر، والسحر كفر لمن عمل به.

                                          قوله تعالى: ولكن الشياطين كفروا

                                          [992 ] حدثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد أخبرنا سعيد بن بشير عن قتادة في قول الله: ولكن الشياطين كفروا ولكنه شيء افتعلته الشياطين، وذكر لنا أن الشياطين ابتدعت كتبا، وكتبت سحرا وأمرا عظيما في الناس وعلموهم إياه.

                                          [993 ] حدثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن : ولكن الشياطين كفروا قال: اتباع السحر كفر، وليس من دين سليمان السحر. يقول: ولكن الشياطين كفروا بتركهم دين سليمان، واتباعهم ما تلت الشياطين على ملكه .

                                          [994 ] حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ثنا عبد الرحمن بن سلمة ثنا سلمة عن ابن إسحاق : ولكن الشياطين كفروا أي هم الذين صنعوا ما صنعوا.

                                          قوله: يعلمون الناس السحر

                                          [995 ] حدثنا أبي ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : يعلمون الناس السحر يعني الصحف التي دفنوها.

                                          [ ص: 188 ] قوله: وما أنزل على الملكين

                                          [996 ] حدثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وما أنزل على الملكين قال: التفريق بين المرء وزوجه.

                                          الوجه الثاني:

                                          [997 ] أخبرنا محمد بن سعد بن عطية فيما كتب إلي حدثني أبي ثنا عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله: وما أنزل على الملكين فإنه يقول: لم ينزل الله السحر.

                                          [998 ] حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: قال الله: وما أنزل على الملكين قال: لم ينزل عليهما السحر، يقول: علما الإيمان والكفر. فالسحر من الكفر. فهما ينهيان عنه أشد النهي. وروي عن خالد بن أبي عمران ، والربيع بن أنس نحو ذلك.

                                          .

                                          قوله: على الملكين

                                          [999 ] حدثت عن عبيد الله بن موسى ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية: وما أنزل على الملكين قال: ما أنزل على جبريل وميكائيل السحر.

                                          الوجه الثاني:

                                          [1000 ] حدثنا الفضل بن شاذان ثنا محمد بن عيسى ثنا معلى بن أسد ثنا بكر بن مصعب ثنا الحسن بن أبي جعفر أن عبد الرحمن بن أبزى كان يقرؤها وما أنزل على الملكين داود وسليمان.

                                          الوجه الثالث:

                                          [1001 ] حدثنا الفضل بن شاذان ثنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن موسى أنبأ أبو معاوية عن ابن أبي خالد عن عمير بن سعيد عن علي قال: هما ملكان من ملائكة السماء. يعني: وما أنزل على الملكين

                                          [ ص: 189 ] الوجه الرابع:

                                          [1002 ] حدثنا محمد بن عمار ثنا إبراهيم بن موسى أنبأ أبو معاوية عن شعيب بن كيسان عن ثابت عن الضحاك في قوله: وما أنزل على الملكين قال: كان الضحاك يقرؤها: (الملكين) قال: هما علجان من أهل بابل .

                                          قوله: ببابل

                                          [1003 ] حدثنا علي بن الحسين ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب حدثني ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري أن علي بن أبي طالب قال: إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي ببابل فإنها ملعونة.

                                          قوله: هاروت وماروت

                                          [1004 ] حدثنا أبي ثنا هشام بن عبيد الله ثنا ابن المبارك عن معروف المكي عمن سمع أبا جعفر بن علي يقول: السجل ملك. وكان هاروت وماروت أعوانه.

                                          [1005 ] حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم ثنا أبو جعفر ثنا الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس قال: لما وقع الناس من بعد آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله، قالت الملائكة في السماء: يا رب هذا العالم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك قد وقعوا فيما وقعوا فيه وارتكبوا الكفر وقتل الأنفس وأكل مال الحرام والزنا والسرقة وشرب الخمر فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم، فقيل إنهم في غيب فلم يعذروهم، فقيل لهم اختاروا منكم من أفضلكم ملكين آمرهما، وأنهاهما فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض، وجعل لهم شهوات بني آدم وأمرهما الله أن يعبداه ولا يشركا به شيئا ونهيا عن قتل النفس الحرام وأكل مال الحرام وعن الزنا والسرقة وشرب الخمر، فلبثا في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق، وذلك في زمان إدريس، وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وإنهما أتيا عليها فخضعا لها القول، وأراداها على نفسها فأبت إلا أن يكونا على أمرها وعلى دينها، فسألا عن دينها فأخرجت لهما صنما، فقالت: هذا أعبده قالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا فغبرا ما شاء الله، ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها، ففعلت مثل ذلك فذهبا ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها، فلما رأت أنهما قد [ ص: 190 ] أبيا أن يعبدا الصنم، قالت لهما: فاختارا أحد الخلال الثلاث إما أن تعبدا الصنم، وإما أن تقتلا هذه النفس، وإما أن تشربا هذا الخمر، فقالا: كل هذا لا ينبغي، وأهون هذا شرب الخمر، فشربا الخمر فأخذت فيهما، فواقعا المرأة فخشيا أن تخبر الإنسان عنهما فقتلاه فلما ذهب عنهما السكر، وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا وحيل بينهما وبين ذلك، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه من الخطيئة فعجبوا كل العجب، وعرفوا أنه كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض، فنزل في ذلك والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض فقيل لهما اختارا عذاب الدنيا، أو عذاب الآخرة فقالا: أما عذاب الآخرة فلا انقطاع له، وأما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان .

                                          [1006 ] حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ثنا مؤمل ثنا سفيان الثوري ثنا موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب. فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما: اهبطا إلى الأرض، وإني لمرسل إلى بني آدم رسلا، وليس بيني وبينكما رسول لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر. قال كعب : فما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه إلى الأرض حتى استكملا جميع ما حرم عليهما .

                                          [1007 ] حدثنا أبي ثنا عبد الله بن جعفر الرقي ثنا عبيد الله -يعني ابن عمر - عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو ويونس بن خباب عن مجاهد قال: كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر فلما كان ذات ليلة قال لغلامه. انظر طلعت الحمراء لا مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها الله هي صاحبة الملكين، قالت الملائكة: رب كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام، وينتهكون محارمك، ويفسدون في الأرض؟ قال: إني قد ابتليتهم فلعلي إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون قالوا: لا. قال: فاختاروا من خياركم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما إني مهبطكما إلى الأرض وعاهد إليكما أن لا تشركا ولا تزنيا، ولا تخونا. فأهبطا إلى الأرض، وألقى عليهما الشبق وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة فتعرضت [ ص: 191 ] لهما فأراداها على نفسها، فقالت: إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله قالا: وما دينك؟ قالت: المجوسية قالا: الشرك هذا شيء لا نقر به فمكث عنهما ما شاء الله ثم تعرضت لهما، فأراداها عن نفسها، فقالت: ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح فإن أقررتما لي بديني وشرطتما لي أن تصعدا بي إلى السماء فعلت. فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ثم صعدا بها إلى السماء، فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما وقطعت أجنحتها فوقعا خائفين نادمين يبكيان، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين، فإذا كان يوم الجمعة أجيب. فقالا: لو أتينا فلانا فسألناه يطلب لنا التوبة فأتياه فقال: رحمكما الله كيف يطلب أهل الأرض لأهل السماء؟!.

                                          قالا: إنا ابتلينا قال: ائتياني في يوم الجمعة. فأتياه فقال: ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية فأتياه فقال: اختارا فقد خيرتما إن أحببتما معاقبة الدنيا وعذاب الآخرة، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله -فقال أحدهما: الدنيا لم يمض منها إلا قليل. وقال الآخر: ويحك إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني الآن. إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى. وإننا يوم القيامة على حكم الله فأخاف أن يعذبنا -قال: لا إني لأرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة أن لا يجمعهما علينا.

                                          قال: فاختاروا عذاب الدنيا فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار عاليهما سافلهما .

                                          [1008 ] حدثنا أبي ثنا مسلم ثنا القاسم بن الفضل الحداني ثنا -يزيد يعني الفارسي عن ابن عباس ، قال: إن أهل السماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي فقالوا: يا رب أهل الأرض يعملون بالمعاصي فقال الله تعالى: أنتم معي، وهم غيب عني. فقيل لهم: اختاروا منكم ثلاثة، فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض على أن يحكموا بين أهل الأرض، وجعل فيهم شهوة الآدميين، فأمروا أن لا يشربوا خمرا ولا يقتلوا النفس ولا يزنوا ولا يسجدوا لوثن، فاستقال منهم واحد فأقيل، فأهبط اثنان إلى الأرض فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها مناهيد فهوياها جميعا. ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها فأراداها، فقالت: لا حتى تشربا [ ص: 192 ] خمري، وتقتلا ابن جاري وتسجدا لوثني، فقالا: لا نسجد، ثم شربا الخمر ثم قتلا ثم سجدا، فأشرف أهل السماء عليهما. وقالت لهما: أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة. وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختاروا عذاب الدنيا فهما مناطان بين السماء والأرض .

                                          [1009 ] حدثنا الحسين بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي ثنا حجاج عن ابن جريج قال: قال مجاهد : شأن هاروت وماروت أن عجبت الملائكة من ذنوب بني آدم وقد جاءتهم الرسل بالكتب، فقال لهم ربهم، اختاروا منكم اثنين أنزلهما يحكمان في الأرض، فكانا هاروت وماروت، فحكما فعدلا حتى أنزلت عليهما الزهرة في صورة أحسن امرأة تخاصم، فقالا لها: ائتينا في البيت فكشفا عن عورتهما وافتتنا، فطارت الزهرة فرجعت الزهرة حيث كانت، فعرجا إلى السماء فزجرا فاستشفعا برجل من بني آدم .

                                          قوله: وما يعلمان من أحد

                                          [1010 ] حدثنا عصام بن رواد العسقلاني ثنا آدم ثنا أبو جعفر ثنا الربيع بن أنس عن قيس بن عباد، عن ابن عباس في قوله: وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإيمان فعرفا أن السحر من الكفر .

                                          [1011 ] حدثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن قوله: وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فقال: نعم أنزل الملكين بالسحر ليعلموا الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلمان أحدا حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر وهما يفعلان لا يعلمان أحدا حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر .

                                          قوله: حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر

                                          [1012 ] حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم ثنا أبو جعفر عن قتادة قال: كان أخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا "إنما نحن فتنة أي بلاء ابتلينا به فلا تكفر.

                                          [ ص: 193 ] قوله: فيتعلمون منهما

                                          [1013 ] حدثنا أبي ثنا النفيلي ثنا يونس بن راشد عن خصيف عن مجاهد وعكرمة عن ابن عباس قال: الملكان يعلمان الناس الفرقة.

                                          [1014 ] حدثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حماد بن طلحة ثنا أسباط بن نصر عن السدي قال: إن الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرا.

                                          قوله: ما يفرقون به بين المرء وزوجه

                                          [1015 ] حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم ثنا أبو جعفر عن قتادة : فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وتفريقهم أن يمسكوا كل واحد منهما عن صاحبه ويبغضوا كل واحد منهما إلى صاحبه.

                                          [1016 ] حدثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد أخبرنا سعيد بن بشير عن قتادة في قول الله: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه يؤخذان أحدهما عن صاحبه ويعطفان واحدا منهما إلى صاحبه.

                                          قوله: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله

                                          [1017 ] حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا سلام بن مسكين قال: سمعت الحسن يقول: في قوله: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله قال: لا يضر هذا السحر إلا من دخل فيه.

                                          الوجه الثاني:

                                          [1018] حدثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن قوله: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله قال: نعم من شاء الله سلطهم عليه، ومن لم يشأ الله لم يسلط، ولا يستطيعون ضر أحد إلا بإذن الله كما قال الله تبارك وتعالى.

                                          قوله: إلا بإذن الله

                                          [1019 ] حدثنا علي بن الحسين ثنا محمد بن عيسى ثنا سلمة عن ابن إسحاق : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله أي بتخلية الله بينه وبين ما أراد.

                                          [ ص: 194 ] [1020] حدثنا عبد المؤمن بن سعيد بن ناصح الرازي ثنا حبان بن موسى المروزي ثنا عبد الله بن المبارك ثنا سفيان في قوله: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله قال: بقضاء الله.

                                          قوله: ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم

                                          [1021 ] حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم ثنا أبو جعفر ثنا الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس ، قال: إن هاروت وماروت أهبطا إلى الأرض فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي، فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه، فإذا تعلمه خرج منه النور فنظر إليه ساطعا في السماء، فيقول: يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع .

                                          [1022 ] حدثنا الربيع بن سليمان إملاء ثنا عبد الله بن وهب حدثني ابن أبي الزناد حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: قدمت علي امرأة من أهل دومة الجندل تبتغي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد موته حداثة ذلك تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به.

                                          قالت: وقفنا ببابل فإذا برجلين معلقين بأرجلهما فقالا: ما جاء بك؟ فقلت: أتعلم السحر. فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي فأبيت، وقلت: لا قالا: فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت ففزعت ولم تفعل فرجعت إليهما. فقالا: أفعلت؟ فقلت: نعم فقالا: هل رأيت شيئا، قلت: لم أر شيئا، فقالا: لم تفعلي ارجعي إلى بلدك ولا تكفري، فأربت وأبيت فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ثم ائت فذهبت فاقشعر جلدي وخفت، ثم رجعت إليهما فقلت: قد فعلت قالا: ما رأيت؟ فقلت: لم أر شيئا فقالا: كذبت لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك فأربت وأبيت، وقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه فذهبت فبلت فيه فرأيت فارسا متقنعا بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء، وغاب عني حتى ما أراه وجئتهما فقلت: قد فعلت فقالا: ما رأيت؟ فقلت: رأيت فارسا مقنعا خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه. قالا: صدقت ذلك إيمانك خرج منك اذهبي .

                                          [ ص: 195 ] قوله: ولقد علموا

                                          [1023 ] حدثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد أخبرنا سعيد بن بشير عن قتادة في قول الله: ولقد علموا لمن اشتراه وقد علم أهل الكتاب فيما يقرءون من كتاب الله. قال أبو محمد: وروي عن الربيع بن أنس نحو ذلك.

                                          .

                                          قوله: لمن اشتراه

                                          [1024 ] حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد ثنا سعيد عن قتادة قوله: ولقد علموا لمن اشتراه أي استحبه.

                                          [1025 ] حدثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبل عن ابن أبي نجيح قوله: ولقد علموا لمن اشتراه اشترى ما يفرق به بين المرء وزوجه.

                                          قوله: ما له في الآخرة من خلاق

                                          [1026 ] حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم ثنا أبو جعفر ثنا الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس قوله: ما له في الآخرة من خلاق قال: من نصيب. وروي عن مجاهد ، والسدي نحو ذلك.

                                          .

                                          [1027 ] حدثنا الحسن بن أبي الربيع أنبأ عبد الرزاق أنبأ معمر عن قتادة في قوله: ما له في الآخرة من خلاق قال: ليس له في الآخرة جهة عند الله.

                                          [1028 ] قال معمر قال الحسن: ليس له دين.

                                          [1029 ] حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة : ما له في الآخرة من خلاق قال: وقد علم أهل الكتاب فيما عهد الله إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة.

                                          قوله: ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون

                                          [1030 ] حدثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حماد بن طلحة ثنا أسباط عن السدي : ولبئس ما شروا به أنفسهم يعني: اليهود يقول: بئس ما باعوا به أنفسهم .

                                          التالي السابق


                                          الخدمات العلمية