الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 361 ] فائدة

السور : قال القتيبي : السورة تهمز ولا تهمز ، فمن همزها جعلها من " أسأرت " ، أي : أفضلت من السؤر ، وهو ما بقي من الشراب في الإناء كأنها قطعة من القرآن ، ومن لم يهمزها جعلها من المعنى المتقدم وسهل همزتها .

ومنهم من شبهها بسور البناء ، أي : القطعة منه ، أي : منزلة بعد منزلة .

وقيل : من سور المدينة لإحاطتها بآياتها ، واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور ، ومنه السوار لإحاطته بالساعد ، وعلى هذا فالواو أصلية .

ويحتمل أن تكون من السورة بمعنى المرتبة ; لأن الآيات مرتبة في كل سورة ترتيبا مناسبا ، وفي ذلك حجة لمن تتبع الآيات بالمناسبات .

وقال ابن جني في " شرح منهوكة أبي نواس " : إنما سميت سورة لارتفاع قدرها ; لأنها كلام الله تعالى ، وفيها معرفة الحلال والحرام ، ومنه رجل سوار ، أي : معربد ; لأنه يعلو بفعله ويشتط . ويقال : أصلها من السورة ، وهي الوثبة تقول : سرت إليه وثرت إليه .

وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو ، وجمع سورة البناء سور بسكونها . وقيل : هو بمعنى العلو ; ومنه قوله تعالى : إذ تسوروا المحراب ( ص : 21 ) ، نزلوا عليه من علو ، فسميت القراءة به لتركب بعضها على بعض ، وقيل : لعلو شأنه وشأن قارئه . ثم كره [ ص: 362 ] بعضهم أن يقال سورة كذا ، والصحيح جوازه ، ومنه قول ابن مسعود : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة " البقرة " .

وأما في الاصطلاح فقال الجعبري : حد السورة قرآن يشتمل على آي ذوات فاتحة وخاتمة . وأقلها ثلاث آيات . فإن قيل : فما الحكمة في تقطيع القرآن سورا ؟ قلت : هي الحكمة في تقطيع السور آيات معدودات ، لكل آية حد ومطلع ، حتى تكون كل سورة - بل كل آية - فنا مستقلا ، وقرآنا معتبرا ، وفي تسوير السورة تحقيق لكون السورة بمجردها معجزة وآية من آيات الله تعالى ، وسورت السور طوالا وقصارا وأوساطا تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز ; فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات ، وهي معجزة إعجاز سورة " البقرة " . ثم ظهرت لذلك حكمة في التعليم ، وتدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها يسيرا يسيرا ; تيسيرا من الله على عباده لحفظ كتابه ، فترى الطفل يفرح بإتمام السورة ، فرح من حصل على حد معتبر ، وكذلك المطيل في التلاوة يرتاح عند ختم كل سورة ارتياح المسافر إلى قطع المراحل المسماة مرحلة بعد مرحلة أخرى ; إلا أن كل سورة نمط مستقل فسورة " يوسف " تترجم عن قصته ، وسورة " براءة " تترجم عن أحوال المنافقين وكامن أسرارهم ، وغير ذلك .

فإن قلت : فهلا كانت الكتب السالفة كذلك ؟ قلت : لوجهين : أحدهما : أنها لم تكن معجزات من ناحية النظم والترتيب ، والآخر : أنها لم تيسر للحفظ .

وقال الزمخشري : " الفوائد في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا كثيرة - وكذلك أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور وما أوحاه إلى أنبيائه - مسورة ، وبوب المصنفون في كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم منها :

أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع وأصناف كان أحسن وأفخم من أن يكون بابا واحدا ، ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخره كان أنشط له وأبعث على التحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله ، ومثله المسافر إذا [ ص: 363 ] قطع ميلا أو فرسخا وانتهى إلى رأس برية نفس ذلك منه ونشطه للمسير ، ومن ثمة جزئ القرآن أجزاء وأخماسا . ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة فيعظم عنده ما حفظه . ومنه حديث أنس : كان الرجل إذا قرأ " البقرة " ، و " آل عمران " جل فينا " . ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة أفضل . ومنها أن التفصيل يسبب تلاحق الأشكال والنظائر وملاءمة بعضها لبعض ، وبذلك تتلاحظ المعاني والنظم ، إلى غير ذلك من الفوائد .

التالي السابق


الخدمات العلمية