الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : والذين لا يشهدون الزور فيه سبعة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنه الشرك بالله ، قاله الضحاك ، وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه أعياد أهل الذمة وشبهه ، قال ابن سيرين هو الشعانين .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه الغناء ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : مجالس الخنا ، قاله عمرو بن قيس .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس : أنه لعب كان في الجاهلية ، قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                        السادس : أنه الكذب ، قاله ابن جريج ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        السابع : أنه مجلس كان يشتم فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله خالد بن كثير .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 160 ] ويحتمل ثامنا : أنه العهود على المعاصي .

                                                                                                                                                                                                                                        وإذا مروا باللغو مروا كراما فيه خمسة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنه ما كان يفعله المشركون من أذية المسلمين في أنفسهم وأعراضهم فيعرضوا عنهم وعن أذاهم ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنهم إذا ذكروا النكاح كنوا عنه ، حكاه العوام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنهم إذا ذكروا الفروج كنوا عنها ، قاله محمد بن علي الباقر رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أنهم إذا مروا بإفك المشركين ينكروه ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس : أن اللغو هنا المعاصي كلها ، ومرهم بها كراما إعراضهم عنها ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل سادسا : وإذا مروا بالهزل عدلوا عنه إلى الجد .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : والذين إذا ذكروا بآيات ربهم يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : بوعده ووعيده .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : بأمره ونهيه .

                                                                                                                                                                                                                                        لم يخروا عليها صما وعميانا يعني سمعوا الوعظ فلم يصموا عنه وأبصروا الرشد فلم يعموا عنه بخلاف من أصمه الشرك عن الوعظ وأعماه الضلال عن الرشد .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي قوله : لم يخروا عليها وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لم يقيموا ، قاله الأخفش .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لم يتغافلوا ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : اجعل أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ارزقنا من أزواجنا ومن ذرياتنا أعوانا قرة أعين أي أهل طاعة تقر به أعيننا في الدنيا بالصلاح ، وفي الآخرة بالجنة . وفي قرة العين وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 161 ] أحدهما : أن تصادف ما يرضيهما فتقر على النظر إليه دون غيره .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن القر البرد فيكون معناه برد الله دمعها ، لأن دمعة السرور باردة . ودمعة [الحزن] حارة ، وضد قرة العين سخنة العين ، قاله الأصمعي .

                                                                                                                                                                                                                                        واجعلنا للمتقين إماما فيه خمسة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أمثالا ، قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : رضا ، قاله جعفر الصادق .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : قادة إلى الخير ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أئمة هدى يهتدى بنا ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس : نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي الآية دليل على أن طلب الرياسة في الدين ندب .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية