الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كانت معتادة غير مميزة ، وهي التي كانت تحيض من كل شهر أياما ثم عبر الدم عادتها وعبر الخمسة عشر ولا تمييز لها ، فإنها لا تغتسل بمجاوزة الدم عادتها لجواز أن ينقطع الدم الخمسة عشر فإذا عبر الخمسة عشر ردت إلى عادتها فتغتسل بعد الخمسة عشر وتقضي صلاة ما زاد على عادتها ، لما روي أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رضي الله عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " { لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتدع للصلاة قدر ذلك } " ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أم سلمة صحيح رواه مالك في الموطأ والشافعي وأحمد في مسنديهما وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم بأسانيد صحيحة على شرط البخاري ومسلم ، وقولها تهراق الدم بضم التاء وفتح الهاء أي : تصب الدم ، والدم منصوب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز على مذهب الكوفيين وقوله صلى الله عليه وسلم : " فلتدع " يجوز في هذه اللام وشبهها من لامات الأمر التي يتقدمها فاء أو واو ثلاثة أوجه كسرها وإسكانها وفتحها والفتح غريب .

                                      ( أما أحكام المسألة ) فإذا كان لها عادة دون خمسة عشر ، فرأت الدم وجاوز عادتها وجب عليها الإمساك كما تمسك عنه الحائض لاحتمال الانقطاع قبل مجاوزة خمسة عشر فيكون الجميع حيضا ولا خلاف في وجوب هذا الإمساك ، وقد سبق في المبتدأة وجه شاذ أنه لا يجب الإمساك ، واتفقوا أنه لا يجيء هنا ; لأن الأصل استمرار الحيض هنا ، ثم انقطع خمسة عشر يوما فما دونها فالجميع حيض . وإن جاوز خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة فيجب [ ص: 441 ] عليها أن تغتسل . ثم إن كانت غير مميزة ردت إلى عادتها فيكون حيض أيام العادة في القدر والوقت وما عدا ذلك فهو طهر تقضي صلاته .

                                      قال أصحابنا : ، وسواء كانت العادة أقل الحيض والطهر ، أو غالبهما أو بأقل الطهر وأكثر الحيض أو غير ذلك ، وسواء قصرت مدة الطهر ، أو طالت طولا متباعدا ، فترد في ذلك إلى ما اعتادته من الحيض والطهر ويكون ذلك دورها أي قدر كان ، فإن كان عادتها أن تحيض يوما وليلة وتطهر خمسة عشر ثم يعود الحيض في السابع عشر والطهر في الثامن عشر وهكذا فدورها ستة عشر يوما . وإن كانت تحيض خمسة وتطهر خمسة عشر فدورها عشرون . وإن كانت تحيض خمسة عشر وتطهر خمسة عشر فدورها ثلاثون وإن كانت تحيض يوما وتطهر تسعة وثمانين فدورها تسعون يوما ، وإن كانت تحيض يوما أو خمسة أو خمسة عشر وتطهر تمام سنة فدورها سنة . وكذا إن كانت تطهر تمام سنتين فدورها سنتان ، وكذا إن كانت تطهر تمام خمس سنين فدورها خمس سنين ، وكذا إن زاد . وهذا الذي ذكرناه من أن الدور قد يكون سنة أو سنتين أو خمس سنين أو أكثر وترد إليه هو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور ، وممن صرح به الشيخ أبو حامد في تعليقه والمحاملي في المجموع وصاحب التتمة وآخرون . وقال القفال : لا يجوز عندي أن يجعل الدور سنة ونحوها ، إذ يبعد الحكم بالطهر سنة أو نحوها مع جريان الدم . قال : فالوجه أن يجعل غاية الدور تسعين يوما الحيض منها ما يتفق والباقي طهر ; لأن الشرع جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر . هذا قول القفال وتابعه عليه إمام الحرمين والغزالي وصاحب العدة وآخرون من متأخري الخراسانيين ، فالمذهب ما قدمته عن الجمهور . وقال الرافعي : ظاهر المذهب أنه لا فرق بين أن تكون عادتها أن تحيض أياما من كل شهر أو من كل سنة وأكثر . قال : وهو الموافق لإطلاق الأكثرين .




                                      الخدمات العلمية