الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين اتخذوا العجل ; أي : تموا على اتخاذه ، واستمروا على عبادته ، كالسامري وأشياعه من الذين أشربوه في قلوبهم ، كما يفصح عنه كون الموصول الثاني عبارة عن التائبين ، فإن ذلك صريح في أن الموصول الأول عبارة عن المصرين .

                                                                                                                                                                                                                                      سينالهم ; أي : في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      غضب ; أي : عظيم لا يقادر قدره ، مستتبع لفنون العقوبات ، لما أن جريمتهم أعظم الجرائم وأقبح الجرائر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : من ربهم ; أي : مالكهم ، متعلق بينالهم ، أو بمحذوف هو نعت لغضب ، مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية ; أي : كائن من ربهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وذلة في الحياة الدنيا هي ذلة الاغتراب التي تضرب بها الأمثال ، والمسكنة المنتظمة لهم ولأولادهم جميعا ، والذلة التي اختص بها السامري من الانفراد عن الناس ، والابتلاء بلا مساس .

                                                                                                                                                                                                                                      يروى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك ، وإذا مس أحدهم أحد غيرهم حما جميعا في الوقت ، وإيراد ما نالهم في حيز السين مع مضيه بطريق تغليب حال الأخلاف على حال الأسلاف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المراد بهم : التائبون ، وبالغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم ، واعتذر عن السين بأن ذلك حكاية عما أخبر الله تعالى به موسى عليه السلام حين أخبره بافتتان قومه ، واتخاذهم العجل بأنه سينالهم غضب من ربهم وذلة ، فيكون سابقا على الغضب . وأنت خبير بأن سباق النظم الكريم وسياقه نابيان عن ذلك نبوا ظاهرا .

                                                                                                                                                                                                                                      كيف لا وقوله تعالى : وكذلك نجزي المفترين ينادي على خلافه ، فإنهم شهداء تائبون ، فكيف يمكن وصفهم بعد ذلك بالافتراء ، وأيضا ليس يجزي الله تعالى كل المفترين بهذا الجزاء الذي ظاهره قهر وباطنه لطف ورحمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المراد بهم : أبناؤهم المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن تعيير الأبناء بأفاعيل الآباء مشهور معروف ، منه قوله تعالى : وإذ قتلتم نفسا ... الآية ، وقوله تعالى : وإذ قلتم يا موسى ... الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بالغضب : الغضب الأخروي ، وبالذلة ما أصابهم من القتل ، والإجلاء ، وضرب الجزية عليهم . وقيل : المراد بالموصول : المتخذون حقيقة ، وبالضمير في ينالهم أخلافهم . ولا ريب في أن توسيط حال هؤلاء في تضاعيف بيان حال المتخذين من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية