الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض هما وصفان لطائفة واحدة، وهم الذين وصفوا بالنفاق، فلهم وصفان أحدهما النفاق، والثاني أن في قلوبهم مرضا، وقد وصفهم الله تعالى بذلك، فقال: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا والعطف عطف أوصاف لا عطف موصوفين لقولهم:


                                                          إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم



                                                          أو نقول: إن هناك موصوفين، وهم المنافقون الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، والطائفة الثانية هم الذين في إيمانهم ضعف، فهم آمنوا على حرف ولما يدخل الإيمان في قلوبهم.

                                                          وقد بدا لي نظر لم أطلع عليه، ولكن له شواهد، وذلك أن الذين في قلوبهم مرض اليهود، ذلك أن في قلوبهم مرض الحسد، وهو أشد أدواء القلوب، وهو في اليهود دائما، فالمراد بالمنافقين الذين يقولون إنهم مؤمنون ويبطنون الكفر، والذين في قلوبهم مرض اليهود.

                                                          والوقائع التاريخية تؤيد ذلك أن المنافقين كانوا يقولون غر هؤلاء دينهم، أي أوقعهم في غرور، فظنوا أنفسهم الأقوياء، وليسوا من القوة في شيء.

                                                          وقال اليهود [ ص: 3157 ] من بني قينقاع: (لقد غر هؤلاء دينهم، وغرهم انتصارهم، لئن لاقونا فسيجدننا الناس) وكان منهم اعتداء على المسلمين حتى أجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا ما سبق إلى خاطرنا، وهو ينطبق على المنافقين واليهود، والشواهد التاريخية تؤيده، والله أعلم.

                                                          ولقد قال تعالى: ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم التوكل هو التفويض إلى الله تعالى بعد أخذ الأسباب وتهيئة ما يكون سببا للنصر، ثم يتجه إلى الله تعالى معتمدا عليه مفوضا الأمور إليه، فإن الأسباب لا تعمل وحدها بل تعمل بإرادة الله، وهذا فرق ما بين التوكل والتواكل، إذ أن المتواكل لا يتخذ الأسباب.

                                                          وقوله تعالى: فإن الله عزيز حكيم ليست جواب الشرط وهو قوله تعالى: ومن يتوكل على الله بل هي سبب جواب الشرط قام السبب مقام المسبب، والمعنى: ومن يتوكل على الله حق توكله فإن الله ناصره، وهو الغالب؛ لأن الله معه، وهو عزيز وحكيم، ينصر من ينصره وهو على كل شيء قدير.

                                                          هذه نتائج النفاق وضعف الإيمان ومرض الحسد في الدنيا، أما في الآخرة فعذاب أليم، يبتدئ من وقت قبض أرواحهم; ولذا قال تعالى:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية