الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 173 ] قوله تعالى : فأتبعوهم مشرقين فيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : حين أشرقت الشمس بالشعاع ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : حين أشرقت الأرض بالضياء ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أي بناحية المشرق ، قاله أبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                        قال الزجاج : يقال شرقت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت . واختلف في تأخر فرعون وقومه عن موسى وبني إسرائيل حتى أشرقوا على قولين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء في تلك الليلة وقع فيهم .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لأن سحابة أظلتهم فخافوا وأصبحوا ، فانقشعت عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                        وقرئ ( مشرقين ) بالتشديد أي نحو المشرق ، مأخوذ من قولهم شرق وغرب ، إذا سار نحو المشرق والمغرب .

                                                                                                                                                                                                                                        قال كلا إن معي ربي سيهدين فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أي سيرشدني إلى الطريق .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : معناه سيكفيني ، قاله السدي . وكلا كلمة توضع للردع والزجر ، وحكي أن موسى لما خرج ببني إسرائيل من مصر أظلم عليهم القمر فقال لقومه : ما هذا؟ فقال علماؤهم : إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا ، قال موسى فأيكم يدري أين قبره؟ قالوا : ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها [ ص: 174 ] فقال : دليني على قبر يوسف ، قالت : لا والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي ، قال : وما حكمك؟ قالت : حكمي أن أكون معك في الجنة، فثقل عليه، فقيل له: أعطها حكمها، فدلتهم عليه فاحتفروه، واستخرجوا عظامه ، فلما أقلوها فإذا الطريق مثل ضوء النهار .

                                                                                                                                                                                                                                        فروى أبو بردة عن أبي موسى : أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بأعرابي فأكرمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حاجتك؟ قال له : ناقة أرحلها وأعنزا أحلبها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل فقال الصحابة : وما عجوز بني إسرائيل؟ فذكر لهم حال هذه العجوز التي حكمت على موسى أن تكون معه في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق روى عكرمة عن ابن عباس أن موسى لما بلغ البحر واتبعه فرعون قاله له فتاه يوشع بن نون : أين أمرك ربك؟ قال : أمامك ، يشير إلى البحر ، ثم ذكر أنه أمر أن يضرب بعصاه البحر فضربه ، فانفلق له اثنا عشر طريقا وكانوا اثني عشر سبطا لكل سبط طريق ، عرض كل طريق فرسخان .

                                                                                                                                                                                                                                        وقال سعيد بن جبير : كان البحر ساكنا لا يتحرك ، فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر . وحكى النقاش : أن موسى ضرب بعصاه البحر وقد مضى من النهار أربع ساعات ، وكان يوم الاثنين عاشر المحرم وهو يوم عاشوراء ، قال : والبحر هو نهر النيل ما بين إيلة ومصر وقطعوه في ساعتين ، فصارت ست ساعات .

                                                                                                                                                                                                                                        فكان كل فرق كالطود العظيم أي كالجبل العظيم ، قاله امرؤ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                        فبينا المرء في الأحياء طود رماه الناس عن كثب فمالا



                                                                                                                                                                                                                                        وكان الأسباط لا يرى بعضهم بعضا فقال كل سبط : قد هلك أصحابنا فدعا موسى ربه فجعل في كل حاجز مثل الكوى حتى رأى بعضهم بعضا .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 175 ] قوله تعالى : وأزلفنا ثم الآخرين فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : قربنا إلى البحر فرعون وقومه ، قاله ابن عباس : وقتادة ، ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        وكل يوم مضى أو ليلة سلفت     فيها النفوس إلى الآجال تزدلف



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : جمعنا فرعون وقومه في البحر ، قاله أبو عبيدة ، وحكي عن أبي وابن عباس أنهما قرآ : ( وأزلقنا) بالقاف من زلق الأقدام ، كأقدام فرعون أغرقهم الله تعالى في البحر حتى أزلقهم في طينه الذي في قعره .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية