الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر ما حباهم في القفار، أتبعه إنعامه عليهم عند الوصول إلى الدار فقال: وإذ أي: اذكر لهم هذا ليصدقوك أو يصيروا في غاية الظلم كأصحاب السبت فيتوقعوا مثل عذابهم، واذكر لهم ما لم تكن حاضره ولا أخذته عنهم، وهو وقت إذ، [وعدل عن الإكرام بالخطاب ونون العظمة؛ لأن السياق للإسراع في الكفر فقال:] قيل لهم اسكنوا أي: ادخلوا مطمئنين على وجه الإقامة، [ولا يسمى ساكنا إلا بعد التوطن بخلاف الدخول، فإنه يكون بمجرد الولوج في الشيء على أي وجه كان] هذه القرية فهو دليل آخر على الأمرين: الصرف والصدق; وعبر هنا بالمجهول في قيل إعراضا عن تلذيذهم بالخطاب إيذانا بأن هذا السياق للغضب عليهم بتساقطهم في الكفر وإعراضهم عن الشكر، من أي قائل كان وبأي صيغة ورد القول وعلى أي حالة كان، وإظهارا للعظمة حيث كانت أدنى إشارة منه كافية في سكناهم في البلاد واستقرارهم فيها قاهرين لأهلها الذين ملؤوا قلوبهم هيبة حتى قالوا: إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها

                                                                                                                                                                                                                                      ولما خلت نعمة الأكل في هذا السياق عما دعا إليه سياق البقرة [ ص: 136 ] من التعقيب وهو الاستعطاف، ذكرت بالواو الدالة على مطلق الجمع، وهي لا تنافي تلك، فقال: وكلوا منها أي: القرية حيث شئتم وأسقط الرغد لذلك، وقدم: وقولوا حطة ليكون أول قارع للسمع مما أمروا به من العبادة مشعرا بعظيم ما تحملوه من الآثام، إيذانا بما سيقت له هذه القصص في هذه السورة من المقام.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أمروا بالحطة قولا، أمروا أن يشفعوها بفعل، لتحط عنهم ذنوبهم، ولا ينافي التقديم هنا التأخير في البقرة؛ لأن الواو لا ترتب، فقال: وادخلوا الباب أي: باب بيت المقدس حال كونكم سجدا نغفر لكم

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان السياق هنا لبيان إسراعهم في الكفر، ناسب ذلك جمع الكثرة في قوله: " خطاياكم " في قراءة أبي عمرو ، وأما قراءة ابن عامر : (خطيتكم) بالإفراد وقراءة غيرهما: (خطياتكم) جمع قلة فللإشارة إلى أنها قليل في جنب عفوه تعالى، وكذا بناء (تغفر) للمجهول تأنيثا وتذكيرا، كل ذلك ترجية لهم واستعطافا إلى التوبة، ولذلك ساق سبحانه ما بعده مساق السؤال لمن كأنه قال: هذا الرجاء قد حصل، فهل مع المغفرة من كرامة؟ فقال: سنـزيد أي: بوعد لا خلف فيه عن قريب، وهو لا ينافي إثبات الواو في البقرة المحسنين أي: العريقين في هذا الوصف، [ ص: 137 ] وللسياق الذي وصفت قيد قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية