الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف : رحمه الله تعالى ( وتثبت العادة بمرة واحدة فإذا حاضت في شهر خمسة أيام ثم استحيضت في شهر بعده ردت إلى الخمسة ومن أصحابنا من قال : لا تثبت إلا بمرتين فإن لم تحض الخمس مرتين لم تكن معتادة بل هي مبتدأة ، ; لأن العادة لا تستعمل في مرة والمذهب الأول ، لحديث المرأة التي استفتت لها أم سلمة رضي الله عنها فإن النبي صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة ; ولأن ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه ) .

                                      [ ص: 443 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 443 ] الشرح ) قد سبق في آخر فصل المبتدأة أن ما يثبت بالعادة وما لا يثبت وما ثبت وما يثبت بالتكرار أربعة أقسام ، وأوضحناها هناك . والمراد هنا بيان ما تثبت به العادة في قدر المحيض والطهر وفيه أربعة أوجه ، أصحها باتفاق الأصحاب أنها تثبت بمرة واحدة مطلقا ، قال صاحب الحاوي : هذا ظاهر مذهب الشافعي ونص عليه في الأم وقال صاحب الشامل والعدة : هو نص الشافعي في البويطي ، وكذا رأيته أنا في البويطي ، قال القاضي أبو الطيب والمحاملي : هو قول ابن سريج وأبي إسحاق المروزي وعامة أصحابنا وبه قطع البغوي وغيره .

                                      ( والثاني ) لا تثبت إلا بمرتين وهو مشهور في الطرق كلها حكاه المتولي وغيره عن أبي علي بن خيران واتفقوا على تضعيفه .

                                      ( والثالث ) : لا تثبت إلا بثلاث مرات حكاها الرافعي عن حكاية أبي الحسن العبادي وهو شاذ متروك ، وقد نقل القاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وإمام الحرمين وابن الصباغ والمتولي والروياني وآخرون اتفاق الأصحاب على ثبوتها بمرتين ، وأنهم إنما اختلفوا في المرة وأن اعتبار المرتين ضعيف .

                                      ( والرابع ) : تثبت في حق المبتدأة بمرة ولا تثبت في حق المعتادة إلا بمرتين ، حكاه السرخسي في الأمالي عن ابن سريج ونقله المتولي وغيره وقال الماوردي والدارمي في آخر كتاب المتحيرة : اتفقوا على ثبوتها بمرة للمبتدأة واختلفوا في المعتادة ; لأنه ليس للمبتدأة أصل ترد إليه ، فكان ما رأته أولى بالاعتبار من جعلها مبتدأة ، وأن الظاهر أنها في الشهر الثاني كالأول ، وأما الانتقال من عادة تقررت وتكررت مرات فلا تجعل بمرة ، وهذا الوجه وإن فخمه الماوردي والدارمي فهو غريب ، وقد صرح الجمهور بأن الخلاف جار في المبتدأة . فأما دليل الأوجه فقد ذكرنا دليل الرابع ، واحتجوا للثاني والثالث بأن العادة مشتقة من العود ، وذلك لا يستعمل إلا في متكرر ، وحجة الأول وهو المذهب ما احتج به المصنف والأصحاب من الحديث ; ولأن الظاهر أنها في هذا الشهر كالذي يليه ، فإنه أقرب إليها فهو أولى مما انقضى وأولى من رد [ ص: 444 ] المبتدأة إلى أقل الحيض أو غالبه ، فإنها لم تعهده بل عهدت خلافه ، وأما احتجاج الآخرين بأن العادة من العود فحجة باطلة ; لأن لفظ العادة لم يرد به نص فيتعلق به ، بل ورد النص بخلافه في حديث أم سلمة ، هذا تفصيل مذهبنا . وقال أبو حنيفة : لا تثبت العادة إلا بمرتين ، وعن أحمد رواية كذلك ، ورواية لا تثبت إلا بثلاث مرات ، وقال مالك في أشهر الروايتين عنه لا اعتبار بالعادة والله أعلم .



                                      ( فرع ) رأت مبتدأة في أول الشهر عشرة أيام دما وباقيه طهرا ، وفي الشهر الثاني خمسة ، وفي الثالث أربعة ثم استحيضت في الرابع ، قال أصحابنا : ترد إلى الأربعة بلا خلاف ; لتكررها في العشرة والخمسة ، ولو انعكس فرأت في الأول أربعة ، وفي الثاني خمسة واستحيضت في الثالث فإن أثبتنا العادة بمرة ردت إلى الخمسة ، وإن لم نثبتها إلا بمرتين ردت إلى الأربعة ; لتكررها هذا هو الأصح ، وفيه وجه أنها ليست معتادة وصححه إمام الحرمين .




                                      الخدمات العلمية