الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الثالث : ما فيه التوكيل . في الجواهر : له شرطان : الشرط الأول : قال أن يكون قابلا للنيابة ، وهو ما لا يتعين بحكمه مباشرة كالبيع ، والحوالة ، والكفالة ، والشركة ، والوكالة ، والمصارفة ، والجعالة ، والمساقاة ، والنكاح ، والطلاق ، والخلع ، والسلم ، وسائر العقود ، والفسوخ دون العبادات غير المالية منها كأداء الزكاة ، والحج على خلاف فيه ، ويمتنع في المعاصي كالسرقة ، والقتل العدوان ، بل تلزم أحكام هذه متعاطيها ، ويلحق بالعبادات الأيمان ، والشهادات ، واللعان ، والإيلاء ، ويلحق بالمعاصي الظهار ; لأنه منكر ، وزور . ويجوز التوكيل بقبض الحقوق ، واستيفاء الحدود ، والعقوبات ، وفي الخصومات في الإقرار ، والإنكار برضا الخصم ، وبغير رضاه في حضور المستحق ، وغيبته .

                                                                                                                تمهيد : الأفعال قسمان : منها ما لا تحصل مصلحته إلا للمباشر ، فلا يجوز التوكيل [ ص: 7 ] فيها لفوات المصلحة بالتوكيل كالعبادة ، فإن مصلحتها الخضوع ، وإظهار العبودية لله تعالى ، فلا يلزم من خضوع الوكيل خضوع الموكل ، فتفوت المصلحة . ومصلحة الوطء الإعفاف ، وتحصيل ولد ينتسب إليه . وذلك لا يحصل للموكل بخلاف عقد النكاح ; لأن مقصوده تحقق سبب الإباحة ، وقد تتحقق من الوكيل . ومقصود اللعان والأيمان كلها إظهار دليل الصدق فيما ادعى ، وحلف زيد ليس دليلا على صدق عمرو ، وكذلك الشهادات مقصودها الوثوق بعدالة المتحمل ، وذلك فائت إذا ادعى غيره . ومقصود المعاصي إعدامها ، وشرع التوكيل فيها فرع تقريرها . فضابط هذا الباب متى كان المقصود يحصل من الوكيل كما يحصل من الموكل جازت الوكالة ، وإلا فلا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لو قال لوكيله قر عني لفلان بألف ، فهو مقر بهذا القول . قال المازري : استقراؤه من نص بعض الأصحاب .

                                                                                                                الشرط الثاني : قال أن يكون ما به التوكيل معلوما بالجملة نص عليه ، أو دخل تحت عموم اللفظ ، أو علم بالقرائن ، أو العادة . فلو قال : وكلتك ، أو فلان وكيلي لم يجز حتى يقول بالتفويض ، أو بالتصرف في بعض الأشياء ; لأنه عقد يفتقر إلى الرضا فينافيه الجهل المطلق كسائر العقود . ولو قال : وكلتك بما لي من قليل وكثير ؛ جاز ، واسترسلت يد الوكيل على جميع الأشياء ، ومضى فعله فيها إذا كان نظرا ; لأنه معزول عن غير النظر عادة إلا أن يقول له : افعل ما شئت كان نظرا أم لا ; لأنه حقه ، فلا يتصرف فيه إلا بإذنه ، وأما إن قيد ببعض الأشياء دون بعض اتبع مقتضى اللفظ ، أو العادة ، ولو قال : اشتر لي عبدا جاز ، أو عبدا تركيا بمائة ، فأولى بالجواز لذكر النوع ، والثمن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : التوكيل بالإبراء لا يستدعي علم الموكل بالمبلغ المبرأ عنه ، ولا علم الوكيل ، ولا علم من عليه الحق ; لأن مقصود رضا الوكيل علم ما يشبه الموكل [ ص: 8 ] من العلم إجمالا ، وذلك حاصل حينئذ . ولو قال : بع بما باع به فلان فرسه ، والعلم بما باع به فلان فرسه مشترط ليجتهد إلى تلك الغاية . ولو قال : وكلتك لمخاصمة خصم جاز ، وإن لم يعينه ; لأن المخاصمة لا يعلم غايتها ، فاعتبر جنسها خاصة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال علي البصري في تعليقه : يصح التوكيل على الخصم ، وإن لم يرض ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : كذلك إن غاب ، وإن حضر اشترط رضاه ; لأنه يقول للموكل لم أرض إلا بمقالتك . وجوابه أن عليا وكل عقيلا عند عمر رضي الله عنه ليخاصم عنه ، وقال : هذا عقيل أخي ما قضي له فلي ، وما قضي عليه فعلي . ولأن الموكل قد يعجز عن الحجاج مع الحاضر ، وربما كان ممن تشينه الخصومات لعلو منصبه ، وقد قال علي رضي الله عنه : من بالغ في الخصومة أثم ، ومن قصر فيها خصم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لا يقبل قول الوكيل في قبض الحق الذي وكل في قبضه ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : يقبل على تلفه ; لأنه أمينه . وجوابه أنه وكله على القبض دون الإقرار ، ولو وكله على القبض وأبرأ لم يصح ، فكذلك هاهنا بجامع عدم التوكيل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : ولو وكله بالبيع لم يصح إبراؤه ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : يصح ويغرم الوكيل للموكل ; لأنه أقامه مقامه . وجوابه أنما أقامه في هذا خاصة دون الإبراء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا باع بما لا يتغابن الناس به رد ، وقاله ( ش ) لعزله عن ذلك عادة ، وقال ( ح ) : يصح ; لأن اسم البيع يتناوله ; لأنه أعم . وجوابه عموم مقيد بالعادة . وكذلك منع مالك ، و ( ش ) بيعه بالدين ، وجوزه ( ح ) من الإطلاق . وجوابه ما تقدم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية