الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل [ كل فرقة سدت بابا من الحق ]

وكل فرقة من هذه الفرق الثلاث سدوا على أنفسهم طريقا من طرق الحق ، فاضطروا إلى توسعة طريق أخرى أكثر مما تحتمله ، فنفات القياس لما سدوا على نفوسهم باب التمثيل والتعليل واعتبار الحكم والمصالح وهو من الميزان والقسط الذي أنزله الله احتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب ، فحملوهما فوق الحاجة ووسعوهما أكثر مما يسعانه ، فحيث فهموا من النص حكما أثبتوه ولم يبالوا بما وراءه ، وحيث لم يفهموا منه نفوه ، وحملوا الاستصحاب ، وأحسنوا في اعتنائهم بالنصوص ونصرها ، والمحافظة عليها ، وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد ، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة ، وبيانهم تناقض أهلها في نفس القياس وتركهم له ، وأخذهم بقياس وتركهم ما هو أولى منه .

ولكن أخطئوا من أربعة أوجه :

أحدها : رد القياس الصحيح ، ولا سيما المنصوص على علته التي يجري النص عليها مجرى التنصيص على التعميم باللفظ ، ولا يتوقف عاقل في أن { قول النبي صلى الله عليه وسلم لما لعن عبد الله حمارا على كثرة شربه للخمر : لا تلعنه ، فإنه يحب الله ورسوله } بمنزلة قوله : لا تلعنوا كل من يحب الله ورسوله ، وفي أن قوله : { إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر [ ص: 255 ] فإنها رجس } بمنزلة قوله : ينهيانكم عن كل رجس ، وفي أن قوله تعالى : { إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } نهى عن كل رجس ، وفي أن قوله في الهر : { ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات } بمنزلة قوله : كل ما هو من الطوافين عليكم والطوافات فإنه ليس بنجس ، ولا يستريب أحد في أن من قال لغيره " لا تأكل من هذا الطعام فإنه مسموم " نهي له عن كل طعام كذلك ، وإذا قال : " لا تشرب هذا الشراب فإنه مسكر " نهي له عن كل مسكر ، و " لا تتزوج هذه المرأة فإنها فاجرة " وأمثال ذلك .

الخطأ الثاني : تقصيرهم في فهم النصوص ، فكم من حكم دل عليه النص ولم يفهموا دلالته عليه ، وسبب هذا الخطأ حصرهم الدلالة في مجرد ظاهر اللفظ ، دون إيمائه وتنبيهه وإشارته وعرفه عند المخاطبين ، فلم يفهموا من قوله : { فلا تقل لهما أف } ضربا ولا سبا ولا إهانة غير لفظة أف ، فقصروا في فهم الكتاب كما قصروا في اعتبار الميزان .

التالي السابق


الخدمات العلمية