الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( وقوله : عجب ربنا من قنوط عباده وقرب خيره ، ينظر إليكم آزلين قنطين ، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب ، حديث حسن ) .

      التالي السابق


      ش قوله : ( عجب ربنا . . ) إلخ ؛ هذا الحديث يثبت لله عز وجل صفة العجب ، وفي معناه قوله عليه الصلاة والسلام : عجب ربك من شاب ليس له صبوة .

      [ ص: 203 ] وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه : ( بل عجبت ويسخرون ) ؛ بضم التاء على أنها ضمير للرب جل شأنه .

      وليس عجبه سبحانه ناشئا عن خفاء في الأسباب أو جهل بحقائق الأمور ؛ كما هو الحال في عجب المخلوقين ؛ بل هو معنى يحدث له سبحانه على مقتضى مشيئته وحكمته وعند وجود مقتضيه ، وهو الشيء الذي يستحق أن يتعجب منه .

      وهذا العجب الذي وصف به الرسول ربه هنا من آثار رحمته ، وهو من كماله تعالى ، فإذا تأخر الغيث عن العباد مع فقرهم وشدة حاجتهم ، واستولى عليهم اليأس والقنوط ، وصار نظرهم قاصرا على الأسباب الظاهرة ، وحسبوا ألا يكون وراءها فرج من القريب المجيب ؛ فيعجب الله منهم .

      وهذا محل عجيب حقا ؛ إذ كيف يقنطون ورحمته وسعت كل شيء ، والأسباب لحصولها قد توفرت ؟ ! فإن حاجة العباد وضرورتهم من [ ص: 204 ] أسباب رحمته ، وكذا الدعاء بحصول الغيث والرجاء في الله من أسبابها ، وقد جرت عادته سبحانه في خلقه أن الفرج مع الكرب ، وأن اليسر مع العسر ، وأن الشدة لا تدوم ، فإذا انضم إلى ذلك قوة التجاء وطمع في فضل الله ، وتضرع إليه ودعاء ؛ فتح الله عليهم من خزائن رحمته ما لا يخطر على البال .

      والقنوط مصدر ( قنط ) ، وهو اليأس من رحمة الله ؛ قال تعالى : ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون .

      قوله : ( وقرب خيره ) ؛ أي : فضله ورحمته .

      وقد روي : ( غيره ) ، والغير : اسم من قولك : غير الشيء فتغير .

      وفي حديث الاستسقاء : ( من يكفر بالله يلق الغير ) ؛ أي : تغير الحال ، وانتقالها من الصلاح إلى الفساد .

      قوله : ( آزلين قنطين ) : حالان من الضمير المجرور في ( إليكم ) .

      و ( آزلين ) : جمع آزل ، اسم فاعل من الأزل ؛ بمعنى الشدة والضيق ، يقال : أزل الرجل يأزل أزلا ، من باب فرح ؛ أي : صار في ضيق وجدب .




      الخدمات العلمية