الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب فرض الصيام قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فالله تعالى أوجب علينا فرض الصيام بهذه الآية ؛ لأن قوله كتب عليكم معناه فرض عليكم ، كقوله : كتب عليكم القتال وهو كره لكم وقوله : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا يعني فرضا مؤقتا . الصيام في اللغة هو الإمساك ، قال الله تعالى : إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا يعني صمتا ، فسمى الإمساك عن الكلام صوما . ويقال : " خيل صيام " إذا كانت ممسكة عن العلف ، و " صامت الشمس نصف النهار " لأنها ممسكة عن السير والحركة ، فهذا حكم هذا اللفظ في اللغة . وهو في الشرع : اسم للكف عن الأكل والشرب وما في معناه ، وعن الجماع في نهار الصوم مع نية القربة أو الفرض . وهو لفظ مجمل مفتقر إلى البيان عند وروده ؛ لأنه اسم شرعي موضوع لمعان لم تكن معقولة في اللغة ، إلا أنه بعد ثبوت الفرض واستقرار أمر الشريعة قد عقل معناه الموضوع له فيها بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم الأمة عليها .

وقوله تعالى : كما كتب على الذين من قبلكم يعتوره معان ثلاثة كل واحد منها مروي عن السلف ؛ قال الحسن والشعبي وقتادة : " إنه كتب على [ ص: 215 ] الذين من قبلنا وهم النصارى شهر رمضان أو مقداره من عدد الأيام ، وإنما حولوه وزادوا فيه " .

وقال ابن عباس والربيع بن أنس والسدي : " كان الصوم من العتمة إلى العتمة ولا يحل بعد النوم مأكل ولا مشرب ولا منكح ، ثم نسخ " . وقال آخرون : " معناه أنه كتب علينا صيام أيام كما كتب عليهم صيام أيام ، ولا دلالة فيه على مساواته في المقدار بل جائز فيه الزيادة والنقصان " . وروي عن مجاهد وقتادة : " الذين من قبلكم " أهل الكتاب " .

وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال : أحيل الصيام ثلاثة أحوال ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل الصوم كل شهر ثلاثة أيام ويوم عاشوراء ، ثم إن الله تعالى فرض الصيام بقوله : كتب عليكم الصيام وذكر نحو قول ابن عباس الذي قدمنا .

قال أبو بكر : لما لم يكن في قوله : كما كتب على الذين من قبلكم دلالة على المراد في العدد أو في صفة الصيام أو في الوقت كان اللفظ مجملا ، ولو علمنا وقت صيام من قبلنا وعدده كان جائزا أن يكون مراده صفة الصيام وما حظر على الصائم فيه بعد النوم ، فلم يكن لنا سبيل إلى استعمال ظاهر اللفظ في احتذاء صوم من قبلنا ، وقد عقبه تعالى بقوله : أياما معدودات وذلك جائز وقوعه على قليل الأيام وكثيرها ، فلما قال تعالى : في نسق التلاوة : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه بين بذلك عدد الأيام المعدودات ووقتها وأمر بصومها .

وقد روي هذا المعنى عن ابن أبي ليلى . وروي عن ابن عباس وعطاء أن المراد بقوله تعالى : أياما معدودات صوم ثلاثة أيام من كل شهر قبل أن ينزل رمضان ، ثم نسخ برمضان .

التالي السابق


الخدمات العلمية