الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

                                                                                                                                                                                                                                      وقطعناهم ; أي : قوم موسى لا الأمة المذكورة منهم ، وقرئ بالتخفيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : اثنتي عشرة ثاني مفعولي قطع ، لتضمنه معنى التصيير ، والتأنيث للحمل على الأمة أو القطعة ; أي : صيرناهم اثنتي عشرة أمة أو قطعة ، متميزا بعضها من بعض ، أو حال من مفعوله ; أي : فرقناهم معدودين هذا العدد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أسباطا بدل منه ، وذلك جمع ، أو مميز له على أن كل واحدة من اثنتي عشرة قطعة أسباط لا سبط ، وقرئ : ( عشرة ) بكسر الشين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أمما على الأول بدل بعد بدل ، أو نعت لأسباطا ، وعلى الثاني بدل من أسباطا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه حين استولى عليهم العطش في التيه الذي وقعوا فيه بسوء صنيعهم ، لا بمجرد استسقائهم إياه عليه الصلاة والسلام ، بل باستسقائه لهم ; لقوله تعالى : وإذ استسقى موسى لقومه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أن اضرب بعصاك الحجر مفسر لفعل الإيحاء ، وقد مر بيان شأن الحجر في تفسير سورة البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      فانبجست عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام قد حذف تعويلا على كمال الظهور ، وإيذانا بغاية مسارعته عليه السلام إلى الامتثال ، وإشعارا بعدم تأثير الضرب حقيقة ، وتنبيها على كمال سرعة الانبجاس ، وهو الانفجار ، كأنه حصل إثر الأمر قبل تحقق الضرب ، كما في قوله تعالى : اضرب بعصاك البحر فانفلق ; أي : فضرب فانبجست .

                                                                                                                                                                                                                                      منه اثنتا عشرة عينا بعدد الأسباط ، وأما ما قيل من أن التقدير : فإن ضربت فقد انبجست ; فغير حقيق بجزالة النظم التنزيلي ، وقرئ : ( عشرة ) بكسر الشين وفتحها .

                                                                                                                                                                                                                                      قد علم كل أناس كل سبط ، عبر عنهم بذلك إيذانا بكثرة كل واحد من الأسباط .

                                                                                                                                                                                                                                      مشربهم ; أي : عينهم الخاصة بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وظللنا عليهم الغمام ; أي : جعلناها بحيث تلقي عليهم ظلها ، تسير في التيه بسيرهم ، وتسكن بإقامتهم ، وكان ينزل بالليل عمود من نار يسيرون بضوئه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنزلنا عليهم المن والسلوى ; أي : الترنجبين والسمانى ، قيل : كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع ، لكل إنسان صاع ، وتبعث الجنوب عليهم السمانى ، فيذبح الرجل منه ما يكفيه .

                                                                                                                                                                                                                                      كلوا ; أي : وقلنا لهم : كلوا .

                                                                                                                                                                                                                                      من طيبات ما رزقناكم ; أي : مستلذاته ، وما موصولة كانت أو موصوفة عبارة عن المن والسلوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وما ظلمونا رجوع إلى سنن الكلام الأول بعد حكاية خطابهم ، وهو معطوف على جملة محذوفة للإيجاز ، والإشعار بأنه أمر محقق غني عن التصريح به ; أي : فظلموا بأن كفروا بتلك النعم الجليلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وما ظلمونا بذلك ولكن كانوا أنفسهم يظلمون إذ لا يتخطاهم ضرره ، وتقديم المفعول لإفادة القصر الذي يقتضيه النفي السابق ، وفيه ضرب من [ ص: 283 ] التهكم بهم ، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل ، للدلالة على تماديهم فيما هم فيه من الظلم والكفر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية