الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 101 ] فصل

قال الرازي: "الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتاني يمشي أتيته هرولة". ولا يشك كل عاقل أن المراد منه التمثيل والتصوير".

يقال له: هذا الحديث لفظه في الصحيحين: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة"، ولا ريب أن الله تعالى جعل تقربه من عبده جزاء لتقرب عبده إليه؛ لأن الثواب أبدا من جنس العمل، كما قال في أوله: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم". وكما قال صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في [ ص: 102 ] الأرض يرحمكم من في السماء"، وقال: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس". وقال تعالى: إن تنصروا الله ينصركم [محمد: 7]، وقال: إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا [النساء: 149]، وقال: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم [النور: 22].

وإذا كان كذلك فظاهر الخطاب أن أحد التقديرين من جنس الآخر، وكلاهما مذكور بلفظ المساحة.

[ ص: 103 ] فيقال: لا يخلو إما أن يكون ظاهر اللفظ في تقرب العبد إلى ربه وهو تقرب بالمساحة المذكورة [أو] لا يكون، فإن كان ذلك هو ظاهر ذلك اللفظ فإما أن يكون ممكنا أو لا يكون، فإن كان ممكنا فالآخر أيضا ممكن، ولا يكون في ذلك مخالفة للظاهر، وإن لم يكن ممكنا فمن أظهر الأشياء للإنسان علمه بنفسه وسعيه. فيكون قد ظهر للمخاطب معنى قربه بنفسه، وقد علم أن قرب ربه إليه من جنس ذلك، فيكون الآخر أيضا ظاهرا في الخطاب، فلا يكون ظاهر الخطاب هو المعنى الممتنع بل ظاهره هو المعنى الحق.

ومن المعلوم أنه ليس ظاهر الخطاب أن العبد يتقرب إلى الله بحركة بدنه شبرا وذراعا ومشيا وهرولة، لكن قد يقال: عدم ظهور هذا هو للقرينة الحسية العقلية، وهو أن العبد يعلم أن تقربه ليس على هذا الوجه، وذلك لا يمنع أن يكون ظاهر اللفظ متروكا.

يقال: هذه القرينة الحسية الظاهرة لكل أحد هي أبلغ من القرينة اللفظية [فيكون] بمعنى الخطاب ما ظهر بها [ ص: 104 ] لا ما ظهر بدونها. فقد تنازع الناس في مثل هذه القرينة المقترنة باللفظ العام، هل هي من باب التخصيصات المتصلة؟ أو المنفصلة؟ وعلى التقديرين فالمتكلم الذي ظهر معناه بها لم يضل المخاطب ولم يلبس عليه المعنى بل هو مخاطب له بأحسن البيان.

ثم يقال: الحجة لمن جعل ذلك مخصصا متصلا [لا] من منع ذلك أن يكون ذلك تخصيصا.

التالي السابق


الخدمات العلمية