الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله - تعالى - : ( وإن كانت معتادة مميزة ، وهي أن يكون عادتها أن تحيض في كل شهر خمسة أيام ، ثم رأت في شهر عشرة أيام دما أسود ، ثم دما أحمر أو أصفر واتصل ، ردت إلى التمييز وجعل حيضها أيام السواد وهي العشرة ، وقال أبو علي بن خيران ترد إلى العادة وهي الخمسة ، والأول أصح ; لأن التمييز علامة قائمة في شهر الاستحاضة فكان اعتباره أولى من اعتبار عادة انقضت ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) إذا كان عادتها خمسة من أول الشهر ثم استحيضت وهي مميزة ، فإن وافق التمييز العادة بأن رأت الخمسة الأولى سوادا وباقي الشهر حمرة فحيضها الخمسة بلا خلاف ، وإن لم يوافقها فثلاثة أوجه : ( الصحيح ) [ ص: 456 ] باتفاق المصنفين أنها ترد إلى التمييز ، وهو قول ابن سريج وأبي إسحاق قال البندنيجي : هو المنصوص . وقال الماوردي : هو مذهب الشافعي - رحمه الله - لقوله صلى الله عليه وسلم : " { دم الحيض أسود } ; ولأن التمييز علامة ظاهرة ; ولأنه علامة في موضع النزاع ، والعادة علامة في نظيره ، ، وسواء على هذا زاد التمييز على العادة أو نقص ، ( والثاني ) : ترد إلى العادة ، وهو قول ابن خيران والإصطخري ومذهب أبي حنيفة وأحمد لقوله : صلى الله عليه وسلم : " { لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن } " ولم يفصل ; ولأن العادة قد ثبتت واستقرت والتمييز معرض للزوال ، ولهذا لو زاد الدم القوي على خمسة عشر بطلت دلالته ، فعلى هذا لو نسيت عادتها فحكمها حكم ناسية لا تمييز لها ، وسيأتي بيانه إن شاء الله - تعالى - . وهذا الوجه وإن كان قد وجهناه توجيها حسنا فهو ضعيف عند الأصحاب .

                                      قال الشيخ أبو حامد : قال أبو إسحاق المروزي : انكدر على أبي علي بن خيران وأبي سعيد : لم يأخذا بمذهب صاحبهما يعني الشافعي ، ولا صارا إلى دليل . وقال القاضي أبو الطيب : قال أبو إسحاق : هذا الذي قالاه غلط لا يعذر قائله ، ( قلت ) : وهذا إفراط .

                                      ( والوجه الثالث ) : إن أمكن الجمع بين العادة والتمييز حيضناها الجميع عملا بالدلالتين وإن لم يمكن سقطا وكانت كمبتدأة لا تمييز لها وفيها القولان . وهذا الوجه مشهور عند الخراسانيين ولكنه أضعف من الذي قبله . مثال ما ذكرناه : كان عادتها خمسة من أول الشهر فرأت خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فحيضها خمسة السواد باتفاق الأوجه الثلاثة ، ولو رأت عشرة سوادا ثم أطبقت الحمرة فعلى الوجه الأول والثالث حيضها العشرة . وعلى الثاني حيضها خمسة من أول السواد ، ولو رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فعلى الأول حيضها السواد وعلى الثاني خمسة الحمرة وعلى الثالث العشرة . ولو رأت عشرة حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة ، فعلى الأول حيضها السواد وعلى الثاني خمسة من أول عشرة الحمرة وعلى الثالث عشرة الحمرة مع خمسة السواد . ولو رأت السواد يوما أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة أو سبعة أو ما زاد إلى خمسة عشر ثم أطبقت الحمرة . فعلى الأول حيضها السواد مطلقا ، وعلى الثاني خمسة من أول الشهر مطلقا ، وعلى الثالث الأكثر من [ ص: 457 ] التمييز والعادة . ولو رأت خمسة حمرة ثم أحد عشر سوادا فعلى الأول حيضها السواد ، وعلى الثاني الحمرة ، وعلى الثالث لا يمكن الجمع . ويجيء على الأول وجه أن حيضها الحمرة بناء على تقديم الأولية على اللون في حق المميزة . ، وقد سبق بيانه ، ، وقد صرح به هنا صاحب الحاوي . فعلى هذا يتفق القول بالتمييز والقول بالعادة أن حيضها خمسة الحمرة ، وإنما يختلفان في مأخذه ، هل هو التمييز أو العادة ؟ كما قالوا فيما لو رأت خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة أو خمسة حمرة ثم أطبقت الصفرة ، فإن حيضها الخمسة الأولى على الأوجه كلها ، وإنما يختلفون في مأخذه ، ولو رأت عشرين حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فقال الفوراني والبغوي وصاحب العدة : الخمسة الأولى من أول الأحمر عادتها وأيام السواد حيض آخر وما بينهما طهر .

                                      قالوا : وهذا متفق عليه وحكى الرافعي هذا ثم قال : ومنهم من قال هذا صحيح على الوجه الثالث ، وأما على الأول فحيضها السواد وطهرها المتقدم عليه خمسة وأربعون ، وصار دورها خمسين يوما . وإن قلنا : بالثاني فحيضها خمسة من أول الشهر وخمسة وعشرون بعدها طهر على عادتها والله أعلم .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أن العادة إذا انفردت عمل بها وإذا انفرد التمييز عمل به ، وإذا اجتمعا قدم التمييز على الصحيح ، وقال أحمد : يعمل بكل منهما على انفراده وتقدم العادة إذا اجتمعا ، وقال أبو حنيفة والثوري : لا يعتبر التمييز مطلقا ، وتعتبر العادة إن وجدت ، وإلا فمبتدأة ، وقال مالك : لا يعمل بالعادة وإنما يعمل بالتمييز إن وجد . .




                                      الخدمات العلمية